عالم متطرف

عالم متطرف

عالم متطرف

 عمان اليوم -

عالم متطرف

بقلم:سوسن الأبطح

لم يكدِ الفرنسيون يصحون من صدمة فوز حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، بـ31.3 في المائة من الأصوات متقدماً على الجميع، وحزب إيمانويل ماكرون بنصف هذه النسبة فقط، في هزيمة ماحقة لرئيس جمهورية في سدة الحكم، حتى خرج الرئيس ليتسبب في زلزالٍ ثانٍ، وهو يعلن حل «الجمعية الوطنية»، وتنظيم انتخابات تشريعية بعد ثلاثة أسابيع فقط، ما لا يترك وقتاً لأي تعديلات تذكر على النتائج الأوروبية المهولة. أمَّا السبب المعلن لهذا الإجراء المفاجئ، فهو «توضيح الصورة» و«ثقته بالشعب الفرنسي». قائلاً: «كتابة التاريخ أفضل من أن تخضع له».

البعض وصف قرار ماكرون بـ«المقامرة»، هناك من اتهمه بـ«الخيانة» أو«الجنون»، لأنَّ اليمين المتطرف، سيبقى متقدماً، في الانتخابات النيابية، خاصة أن رئيس الديغوليين إريك سيوتي، بكل تاريخ الجمهوريين الأبي، وفي زلزال ثالث، قرر أن ينضم إلى اليمين المتطرف، مما ترك بعض أعضاء حزبه في ذهول وإحساس بالعار، مطالبين إياه بالاستقالة.

الأغرب من ذلك أن أحزاب اليسار بتنوعاتها «الاشتراكي»، و«الشيوعي»، و«فرنسا الأبية»، وحزب «الخضر»، هم أيضاً تجاهلوا الفروقات الكبيرة بينهم، ووجدوا أنفسهم مضطرين لإيجاد تفاهمات قبل أن يعصف بهم اليمين ولا يبقي منهم أحداً.

هؤلاء مجتمعين، قد لا يحصلون على أكثر من 30 في المائة أي ما سيحصل عليه «التجمع الوطني»، وإذا أضفنا إليهم قائمة حزب «الاسترداد» الشبيهة بهم بقيادة إريك زمور، نصل بالمتطرفين إلى 40 في المائة.

مفاجأة إضافية أنَّ كل الكلام على حساسية الفرنسيين، تجاه البيئة، والصحة، والغطاء الأخضر، والهواء النقي، والطعام النباتي، لم يتمكن من جعل حزب الخضر يجد لنفسه مكاناً. وفي اللحظة التي يستشري فيها فساد الهواء والتربة في الكوكب كله، وتفيض الأنهار، وتحترق غابات، مني حزب الخضر بهزيمة منكرة، وكأنما الكلام على تدوير الملابس والأكياس وركوب الدراجات، شعارات فارغة للاستهلاك. الإنسان، منشغل بحياته اليومية البسيطة. يطرد الفرنسيون الأحزاب التقليدية ويحاولون تغيير المشهد برمته، لأن أولويتهم الحدّ من الهجرة، وتقاعد مريح، وضمانات اجتماعية. ضاربين عرض الحائط بفكرة أوروبا، التي بالغ ماكرون في الدفاع عنها، و«فخامة اليورو»، كما ذهب بعيداً في حماسته بمهاجمة روسيا.

شبح السترات الصفر لا يزال يخيم على الشارع الفرنسي. تبيَّن أن المتطرفين اليمينيين اختارهم أكثر من نصف العمال، ونصف الموظفين، وربع النخب، وهم مقبولون بين الشباب تماماً كما اليسار الشعبي.

سنرى برلماناً فرنسياً بعد الانتخابات فيه متطرفون يمينيون، ومتطرفون يساريون، وقليل من الوسطيين الذين يناضلون من أجل البقاء.

أما حلّ المشكلات الكبرى، فلا يملكها أحد. لا نرى في برنامج أي حزب في فرنسا، وضوحاً يكفي للقول إن بيده كلمة السرّ. ففي وقت الأزمات، كيف يمكنك أن تحدّ من الهجرة، وأنت تعاني من نقص في الإنجاب؟ وما الذي يشجع النخب الذكية الأجنبية التي يمكنها أن تساهم في نمو الاقتصاد، على العيش في أجواء محتقنة بالتطرف والعنصرية وضيق الأفق.

ثمة دراسة أوضحت أنَّ مسلمي فرنسا من الحاصلين على شهادات عليا، يغادرونها بسبب نقص التسامح. وهناك فرنسيون شباب يتركون بلادهم بحثاً عن فرص عمل أفضل. تمكنت المتطرفة مارين لوبن منذ أخرجت والدها من رئاسة الحزب، أن تعطيه لمسة ناعمة، وأن تخفف من وطأة الجلافة، وشعارات التهديد التي كان يطلقها. هل تدسّ لوبن السمّ في العسل؟ لجأت حتى لتغيير نمط ملابسها وطلتها، شذّبت عباراتها وليّنت برامجها. قدّمت الشاب الصغير جوردان بورديلا ابن الـ28 عاماً، صديق ابنة اختها ومن أهل الدار، لأنه يعرف كيف يتواصل مع الشباب.

نجح في الدعاية بعد أن عيّن عشرة أشخاص لإدارة حملته إعلامياً وعبر وسائل التواصل، لجأ إلى استخدام الأغنيات الشبابية الشهيرة في حملته، ومشاركة أفكاره البسيطة، ليتبين لعامة الجمهور أن المتطرفين ليسوا خطرين كما يقال عنهم، ولا نازيين، بل ناعمو الملمس.

بورديلا صاحب المليون ونصف المليون متابع على «تيك توك»، ليس وحده من استفاد من وسائل التواصل حيث قصّرت الأحزاب التقليدية. «حزب البديل» الألماني المتطرف استغل جمهور «تيك توك». ومن أعاجيب البرلمان الأوروبي الجديد، بأعضائه الـ720 فوز أول فلسطينية؛ هي ريما حسن، عن «فرنسا الأبية»، وأول «يوتيوبر» لا علاقة له بالسياسة، هو القبرصي فيدياس بانايوتو، وكذلك ألفيس بيريز 34 عاماً، سائق يتبنى أفكاراً شعبوية على وسائل التواصل، حاز 4 في المائة من الأصوات الإسبانية. لحسن الحظ، أن شيئاً من التوزان سيبقى للبرلمان الأوروبي الجديد بفضل اختيار بلدان أوروبا الشرقية أحزاباً وسطية ذات هوى وحدوي جامع، على عكس أوروبا الغربية، فقد اختارت إيطاليا متطرفين يمينين وأعطت جورجيا ميلوني 34 في المائة، وحزب البديل الألماني المتطرف حاز 15 في المائة.

لكن هذا لا يعني أن أوروبا لن تذهب يميناً، ويخشى أن تبالغ تدريجياً في الانحراف.

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم متطرف عالم متطرف



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 19:24 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab