سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

 عمان اليوم -

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

بقلم: رضوان السيد

الأسود ليست مثل بعضها، ولا كذلك الثعالب. فأسد حكاية «كليلة ودمنة» كان «مستبداً معجباً برأيه غير آخذٍ برأي أحدٍ من أصحابه». أما الثعلب، «دمنة»، الذي استمات للتقرب من ذاك السلطان فمن أجل «أن يسرّ الصديق ويسوءَ العدو». في حين أن أسد الحكاية الأخرى، «الأسد والغواص»، كان «حسن الطريقة في مملكته محموداً في رعيته». أما الثعلب الملقَّب بـ«الغواص»، فقد قصد أيضاً إلى التقرُّب من الملك: «لأنّ في صلاح الملك صلاح مملكته ورعيته، وفي صلاح المملكة والرعية صلاح الجملة التي الناصحُ جزءٌ منها؛ يضره ما يضرها، وينفعه ما ينفعها!».

ما كانت سوريا الأسد، وبخاصة في سنواتها الأخيرة، دولة ولا شبه دولة. وإلّا لما هجرها أو هُجِّر منها نصف سكانها. النقص والانتقاص يتناول كل شيء، وكنت تستمع إلى بشار الأسد فتحسبه فيلسوفاً استيقظ من رقدته قبل لحظات، وهو بريءٌ براءة الذئب من دم يوسف (!). أما على الأرض، فكان الوضع غير ذلك تماماً؛ فهو يعرف عن السجون أهلها، ويعرف عن التهجير، ويعرف عن الاغتيالات والقمع والكيماوي، ويرى أنه بعد تهجير الملايين صار الشعب السوري أكثر انسجاماً بين عناصره (!). وهكذا كان بشار أسداً ليس كالأسود، وكان أعوانه من الذئاب والثعالب، وأولهم شقيقه ماهر، ليسوا بالمعهود عن تلك الحيوانات الوديعة، وإلاّ لما اشتغلوا بالقتل والتعذيب في السجون والاتجار بـ«الكبتاغون».

ما أعسر مهمة استقبال الجديد بعد هذا التدمير الذي اعتدنا على تسميته ممنهجاً، لكنه قد يكون غير ذلك تماماً. فلنتصور أنهم فكروا أخيراً قبل هروبهم في تدمير الجيش الذي قاتل بقيادتهم أربعة عشر عاماً ضد الشعب الأعزل وغير الأعزل!

هناك انقسامٌ كبير في النظر إلى الوضع السوري اليوم؛ فهناك مَن يعتبر الوضع غير شرعي إلى حين القيام بإجراءات أُخرى. وهناك مَن يطالب بالتحقيق الكامل لمواصفات الدولة المدنية العلمانية، ومواصفات أُخرى، مثل حماية الأقليات، وضمان حريات المرأة وحقوقها، وتدبير أعمال لعشرات الألوف ممن كان النظام الأسدي يصطنع المؤسسات من أجل توظيفهم، ولو شبيحة في وضح النهار! وهذا كله فضلاً عن الحقوق الخاصة للأكراد وغيرهم، لأنهم قاتلوا أيضاً ضد النظام السابق وضد الإرهاب. وقد قابلتهم الإدارة العسكرية لأحمد الشرع بمنطقٍ آخر: التصدي للمجاعة، والنهوض بالوضع الاقتصادي، ومدّ اليد للعرب والأجانب لإعادة الإعمار. وإن كان لا بد من أجل الطمأنة، فسيكون هناك دستور وانتخابات، لكن بعد 3 أو 4 سنوات. وبانتظار ذلك يتشكل الجيش الجديد وتتشكل الوزارة والإدارة من أعضاء حاليين في تنظيمه وحركته!

هل بهذه الطريقة يجري استقبال الجديد؟ إذا اعتبرنا دعوات المنذرين مسرفة في حداثتها، وربما في سوء نياتها؛ فماذا نقول عن الوزراء وكبار الموظفين وضباط الجيش الأشاوس الخارجين من خنادق إدلب المحاصَرة على مدى سنوات، وهل ما يصلح لإدارة إدلب وريفها يصلح لدمشق وحلب وحماة وحمص ولو مؤقتاً؟! العرب جميعاً على وجه التقريب، وحتى الدوليون الفارضون للعقوبات من قبل، سارعوا للترحيب، وعرضوا المساعدة، وما اشترطوا إلا أمن سوريا ووحدة أراضيها وخلوَّها من الإرهاب والمسلحين والمتدخلين من شتى الأمم والدول والنواحي. ويعود هذا الترحيب السريع إلى ما عاناه الجميع من الأوضاع السورية بعد عام 2011، والتشرذم الذي نال من الشعب السوري بالداخل وبالخارج؛ فإضافة إلى العساكر الأميركية والروسية، كانت هناك التنظيمات الإرهابية، ومنها «هيئة تحرير الشام»، وقبل ذلك وبعده جحافل إيران وميليشياتها الذين أرادوا حماية حليفهم بشار، و«حماية» مزارات أهل البيت، ثم طمحوا للخلود في سوريا من خلال تغيير الديموغرافيا والدين! ولا ننسى الأتراك الذين دخلوا بعسكرهم أيضاً فتبنوا ميليشيات، وشكلوا أخرى، وزعموا أنهم لا يريدون غير إقصاء عسكر حزب العمال الكردستاني المتسربين من تركيا لقتال تركيا!

كانت كل هذه الدول والميليشيات مستمتعة بالحرب السورية وبالانقسام السوري، وكلها تراهن على حاجة نظام بشار إليها ضد ثوران شعبه، بما في ذلك إسرائيل، التي ما رماها بشار بحجر، مع إغاراتها على الداخل السوري بحجة ملاحقة الإيرانيين لأكثر من 5 سنوات!

إن المفروض أن النظام الجديد يسعى بالتفاوض أو بالوسائل الأخرى لإخراج كل هؤلاء من سوريا واستعادة وحدة التراب السوري. بيد أنّ أحداً منهم لا يريد الخروج، بل حتى الإيرانيون الذين اختفوا هم وميليشياتهم يقولون الآن إنهم درّبوا مائة وثلاثين ألفاً، وهم يريدون دفعهم الآن لمقاتلة السلطة الجديدة!

وإذا أضفنا إلى ذلك أعباء عشرة ملايين نازح سوري بل أكثر، الذين إذا أرادوا العودة يفتقرون إلى كل شيء، يتبين لنا مدى تراكم الأولويات وتعقدها، وهذا ونحن لم نتعرض بعد لقضايا العدالة الانتقالية التي تُهم أهل الضحايا ليس منذ أربعة عشر عاماً، بل ومنذ عام 1982.

يستطيع كل أحدٍ الحديث عن الجديد، إنما الأهمّ القدرة على استقباله!

 

omantoday

GMT 10:14 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تقاتلوا

GMT 10:12 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 10:11 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

معضلة الدستور في سوريا

GMT 10:09 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

الموسوس السياسي... وعلاج ابن خلدون

GMT 10:08 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تسييس الجوع والغذاء

GMT 10:07 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

إيران: مواءمة قطع الأحجية الخاطئة الراهنة

GMT 10:05 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

لبنان بين إعادتين: تعويم أو تركيب السلطة

GMT 10:04 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

التعليم والإصلاح والتربية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد



أحدث إطلالات أروى جودة جاذبة وغنية باللمسات الأنثوية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 09:25 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 05:15 2023 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

توازن بين حياتك الشخصية والمهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab