بقلم:أمينة خيري
من أمتع المشاهد والمتابعات القادرة على نقل من يريد الابتعاد عن سموم الـ«سوشيال ميديا» وصورها المقيتة التى تخترق خصوصية البشر فى أضعف لحظاتهم، أو مناقشاتها العقيمة التى لا تخلو من سب المختلف وشتم المعترض، وإصدار أحكام دينية واجتماعية وأخلاقية من المستخدمين أثناء جلوسهم على القهوة. إنها مشاهد قمة حلف شمال الأطلسى «ناتو» فى ليتوانيا. متابعة التفاصيل أقرب ما تكون إلى مباراة بينج بونج أو تنس من الطراز العالى، وأحيانًا يعرج بعضها ليكون أشبه بكرة السرعة، حيث اللاعب يضرب الكرة ضربات سريعة متتالية فى سباق مع الزمن ليسدد أكبر عدد ممكن من الضربات الصحيحة فى أقل وقت ممكن.
المشاهد «الممتعة» كثيرة، وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تركيا التى جاهرت وكررت مرارًا أكثر من أن تعد أو تحصى معارضتها لانضمام كل من السويد وفنلندا إلى الحلف، وذلك منذ عبرت الدولتان عن ذلك. لماذا اعترضت تركيا؟، عقابًا للدولتين على مواقفهما المعارضة والرافضة لقتال تركيا ضد الجماعات الكردية، وعلى رأسها حزب العمال الكردستانى ووحدات حماية الشعب الكردية فى سوريا.
وهذه الوحدات بالمناسبة كانت جزءًا من «التحالف» الذى قادته أمريكا لمحاربة داعش فى شمال سوريا. تركيا هى الدولة الوحيدة التى تصنف الأحزاب والجماعات الكردية «إرهابية»، وهى تعلم أن انضمام أى دولة لـ«ناتو» يتطلب موافقة كل الأعضاء. من جهة أخرى، معروف أن تركيا تدق أبواب الاتحاد الأوروبى منذ عقود، وما من مجيب. يُفتَح الباب ربع فتحة حينًا، ثم يعاد إغلاقه بسرعة مرارًا وتكرارًا منذ عام 1987، وهو العام الذى تقدمت فيه تركيا بطلب الانضمام للاتحاد، وكان يعرف حينها بـ«المجموعة الاقتصادية الأوروبية». ولأسباب كثيرة، كانت تركيا بعيدة عن تلبية الشروط المنصوص عليها للانضمام. وفى كل مرة تجرى إصلاحات، تعاود دق الباب، يفتح، ثم يغلق مجددًا. لذلك بدا شرط موافقتها على انضمام السويد وفنلندا لـ«ناتو» هدية من السماء لمقايضة الموافقة بانضمامها إلى الاتحاد الأوروبى. فكر المقايضة ظل مفعلًا، ولكن دون الإعلان عن مكوناته. لكن قبل ساعات، فاجأ الرئيس أردوغان الجميع باللعب على المكشوف.
قال: «جميع أعضاء الحلف الأطلسى تقريبًا أعضاء فى الاتحاد الأوروبى. وأنا الآن أخاطب تلك الدول التى تجعل تركيا تنتظر منذ أكثر من 50 عامًا، وسأخاطبهم مجددًا فى فيلنيوس (ليتوانيا)». وقبل ساعات قليلة، أعلن الـ«ناتو» أن تركيا وافقت على انضمام السويد وإحالة بروتوكول الانضمام للبرلمان التركى للمصادقة عليه فى أقرب وقت. بالطبع، تبقى مسألة الإحالة ورقة فى يد تركيا ضمانًا لتنفيذ بقية شروط «المقايضة». إنها السياسة كما ينبغى أن تكون. الطريف أن الإخوان يتبرعون بملء الأثير تأكيدات على أن موقف تركيا لم يتغير، وأنها لم توافق على انضمام السويد لـ«ناتو»، وأنها لا تريد الانضمام للاتحاد الأوروبى (إيموجى ضاحك) عكس ما يروج الإعلام. والمشاهد المثيرة كثيرة، ومنها كذلك مشهد أوكرانيا، وللحديث بقية.