بقلم:أمينة خيري
تعجبت كثيرًا من تعجب البعض من قيام أحدهم بالاتجار بفكرة العمرة لصالح آخرين. أحدهم لا يعنينى كثيرًا، فهو يعرّف نفسه بأنه داعية.. ولأننى لا أعرف الشروط الوظيفية التى يجب توافرها فى شخص ما ليلتحق بالعمل على درجة «داعية»، فسألتزم بالشق التجارى فى الموضوع.
الاتجار بالدين أو كما يقولون «تسليع الدين» ليس ظاهرة جديدة. لم يبتكرها الأخ «الداعية». وأتذكر أن أول معرفة لى بتسليع الدين كانت قبل ما يزيد على 20 عامًا حين كتبت موضوعًا صحفيًا عن «الفتوى بمقابل عبر الهاتف الأرضى». وقتها، لم تكن الهواتف المحمولة قد ظهرت، أو على الأقل لم تكن قد انتشرت كما هو الحال الآن. رجل أعمال دشن المشروع الجديد، وتمت الاستعانة بعدد من المشايخ، بعضهم بالغ الشهرة وذائع الصيت هذه الأيام، حيث يتصل الشخص الباحث عن رأى دينى بالخط ويترك سؤاله، ثم تصله فتوى الشيخ مسجلة بعد ساعات أو أيام، ويتم الحساب بالدقيقة. بدت الفكرة غريبة بالنسبة لى وكذلك لآخرين.
فقد جرى العُرف أن يلجأ الشخص إلى المسجد أو الكنيسة أو المعبد أو أىٍّ من المؤسسات أو الكيانات التابعة لها ويسأل سؤاله لأحد المتخصصين ويحصل على إجابة ما. لم أسمع من قبل عن «فيزيتا» يحصل عليها رجل الدين فى مقابل تقديم الرأى أو الفتوى. وحين سألت الشيخ الذى حاورته ضمن الموضوع عن مسألة تقاضى خمسة جنيهات فى مقابل الفتوى، قال: «وهو الشيخ برضه مش عايز ياكل مَم؟!» وحين سألته عن موقف «المم» الذى يمكن شراؤه براتبه من الأزهر الشريف أو دار الإفتاء أو أى من الجهات الدينية التى ينتسب لها، رد: «وهو الشيخ مالوش نفس يحسّن المَم إللى بياكله؟» (أى يزيد من دخله ليعيش حياة أفضل)، وجدت الرد منطقيًا، فمن حق كل منا أن يجتهد ويعمل أكثر و«يقلّب رزقه» بحثًا عن دخل أوفر وحياة أكثر ترفًا وثراءً.
ورغم ذلك، بقيت فكرة دفع خمسة أو عشرة أو عشرين جنيهًا ثمن الرأى الدينى تؤرقنى. وأعترف أنها كانت المرة الأولى التى أدرك فيها أن رجل الدين ليس قديسًا أو ملاكًا بجناحين، فهو بشر مثلنا من حقه أن يعمل على الارتقاء بحياته والبحث عن مصادر مادية تتيح له رفعة مادية وتمكنه من اقتناء المزيد من الأمور المادية التى تجعله أكثر راحة وسعادة ناجمتين عن أمور مادية وليست روحانية.
هم كائنات مثلنا إذًا وليسوا كائنات من نور. وهذا يعنى أيضًا أنهم يصيبون ويخطئون، وكانت تلك الخطوة الأولى فى طريق رفع هالة القدسية التى تصورت أنها تحيط بكل من يرتدى زيًا دينيًا من أى دين.
وأعود إلى الأخ الذى يتاجر بالعمرات لصالح آخرين. وبعيدًا عن مدى شرعية ذلك - دينًا وقانونًا - أقول «عادى». الهُسهس الذى أصاب كثيرين وفّر أجواء مثل تلك التجارة. وسؤال على الهامش: هل مصلحة الضرائب على علم بمثل هذه الأنشطة؟!.