كان الأمل معقوداً على نسائم شهر سبتمبر لعله يخفف قليلاً من حدة قيظ الشهرين الماضيين، وهو القيظ الذى لم يخل من أثر جانبى واحد على الأقل كان إيجابياً، إذ بدأ البعض يتساءل عن تغير المناخ وغليان الأرض وغيرهما من مصطلحات ثبت أنها أكثر من مجرد مسميات، بل هى واقع نعيشه جميعاً.
جاء سبتمبر، لكنه باغتنا بموجة شديدة الحرارة أتمنى من كل قلبى ألا تطول كثيراً، لكن هذه الموجة وغيرها مهما بلغت من حرارة لن تضاهى حرارة ما يجرى حولنا.
فبين مكايدة فى الشرق، وسباق محموم فى الغرب، واستعداد لقمة مجموعة العشرين تجمع هؤلاء وأولئك، وسلسلة انقلابات لها ألف معنى ومعنى فى قارتنا أفريقيا تتصاعد الحرارة باطراد.
أقصى درجات الحرارة هى تلك التى تصاحب أنباء لقاء قد يجمع كلاً من زعيم كوريا الشمالية «الأسطورى» كيم جونغ أون والرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى روسيا قريباً!
الطريف أن الخبر غير المؤكد مصدره بيان صادر من مجلس الأمن القومى الأمريكى! وبحسب البيان أيضاً- والذى لم تصدر فى شأنه تعليقات أو تنويهات من كل من كوريا الشمالية وروسيا، فإن الغرض من اللقاء سيكون عقد مناقشات حول تزويد روسيا بأسلحة لازمة فى حربها فى أوكرانيا.
وكان وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو قد زار بيونج يانج فى يوليو الماضى فيما يبدو أنه محاولة لإقناع كوريا الشمالية لبيع ذخيرة مدفعية لروسيا.وسواء تمت الزيارة، أو لم تتم، فإن معانيها كثيرة.
إنها حرب توريد الأسلحة للطرفين المتنازعين روسيا وأوكرانيا، حيث جانب من الحرب هى حرب بالوكالة.
الغالبية المطلقة من الدول «الضالعة» فى حرب روسيا فى أوكرانيا تنأى بنفسها عن التدخل فعلياً عبر إرسال الجيوش، لكنها ضالعة وستظل هكذا عبر تزويد هذا الطرف، أو ذاك بالسلاح أو المرتزقة أو الدعم اللوجيستى أو كل ما سبق.
ولا يستبعَد أبداً أن يكون اللقاء المحتمل مجرد مكايدة للعالم الغربى الذى يعتبر كوريا الشمالية الشر الأكبر الذى ينافس الدول المصنفة «شيطانية»، وأبرزها إيران التى كانت تصفها إدارات أمريكية سابقة بـ«الشيطان الأعظم» تارة و«محور الشر» تارة.
والحقيقة أن أمريكا لا تتوقف أبداً عن إبهارنا، وإذا كانت أفلام هوليوود المثيرة قد خفت نجمها بعض الشىء لأسباب كثيرة، فإن أخبار أمريكا لا تخفت أبداً.
دائماً ما تنظر شعوب منطقتنا إلى أخبار محاسبة كبار المسئولين وأفراد عائلاتهم قبل وبعد وأثناء وجودهم فى مناصبهم بعين ملئها الإبهار.
من نيكسون وفضيحة ووترجيت، إلى بيل كلينتون وفضيحة المتدربة لوينسكى، إلى سلسلة القضايا الضالع فيها «ترامب» وكذلك صهره جاريد كوشنر والذى كان مكلفاً بملف السلام فى الشرق الأوسط وفقدانه حق الاطلاع على الوثائق المصنفة «سرية للغاية» فى البيت الأبيض فى عام 2018.
وأخيراً وليس آخراً ابن الرئيس الحالى جو بايدن والضالع فى سلسلة قضايا منها حيازة سلاح وتهرب ضريبى منذ سنوات لا تتوقف إثارة قضايا واتهامات المسئولين فى الغرب.
ورغم عنصر الإبهار المتوافر فى هذا الشأن، فإن كبار المسئولين الغربيين يفلتون من مسائلات أفدح بكثير من تهرب ضريبى أو فساد أو غيرهما، ومنها على سبيل المثال لا الحصر غزو دولة لم تقترف ما يستحق الغزو، تكوين تحالف لاحتلال دولة لتخليصها من الحكم الفاشى الديكتاتورى الظالم ثم تركها بعد عقود وتسليمها تسليم أهالى للحكم ذاته، والقائمة تطول.
وستطول وتستمر وتستدام مشكلات مصر طالما نصر على الإنجاب دون هوادة، وطالما نظن أن «العيل بييجى برزقه»، وطالما ينخر فى عظام الوطن «سوس» يرتدى عباءة دين خلف الأبواب المغلقة.
الخطاب الدينى «الرسمى» للدولة يتفق تماماً والعقل والحكمة والمنطق، تنظيم الأسرة ليس حراماً، أكتب هذه الكلمات وأنا لا أصدق أننا ما زلنا أسرى هذه المرحلة من الفكر التى ظننت أننا اجتزناها قبل عشرات السنوات.
ولكن ما يقال عن حرمانية التنظيم ما بين السائل والمسئول بعيداً عن الأضواء الإعلامية أو على أثير الـ«سوشيال ميديا» لا علم لنا به، أو ربما لنا علم به لكن يصعب تقفى أثره أو التعامل معه.
أسر كثيرة فى مصر باتت تعامل للأسف الشديد مع منظومة العيال باعتبار كل عيل هو رأس مال من شأنه أن ينمى دخل الأسرة، بين سائق توك توك وبياع سريح وغيرهما من ضحايا الفكر الإنجابى الذى يتعامل مع الأبناء والبنات باعتبارهم فلذات أكباد، بل ماكينات صراف بشرى.
الرئيس السيسى حين تحدث عن «حرية الإنجاب المطلقة» وحتمية تنظيمها أصاب كبد الحقيقة، وهى الحقيقة التى جرى طمسها على مدار العقد الماضى لأسباب كثيرة تتأرجح بين الثقافى والدينى والاجتماعى.
حرية ضخ العيال دون تعقّل أو تفكر هى أشبه بمن اشترى شقة فى الطابق الأرضى، واعتبر هدم جدرانها وأعمدتها التى تسهم فى حمل بقية طوابق العمارة حرية شخصية.