بقلم:أمينة خيري
هل بالفعل بعض رجال الدين حول العالم خارج إطار الزمن؟، وهل يمكن أن يرجح عالم دين مصالحه الشخصية، أو مصالح مؤسسته الوجودية على مصالح الوطن والمواطنين؟، وهل وارد أن ينغمس داعية أفنى حياته ووهب وقته وبذل جهده فى غياهب الترند أو دهاليز الهاشتاج أو أكاذيب «الأكثر قراءة» فى مشارق الأرض ومغاربها؟. تربينا منذ الصغر على أن رجال الدين، (ولا مجال بالطبع لذكر نساء الدين حيث المرأة غير قادرة أو راغبة أو مسموح لها أو وارد أن يداعب أحلامها أن تكون ذات علم فى الدين أو حصافة فى أحكامه أو دراية باجتهاداته)، مُنزّهون عن المصالح الشخصية والمآرب الذاتية والشؤون الدنيوية والأمور المادية. وهى تربية وتنشئة ليست حكرًا على منطقة ما على ظهر الكوكب، بل هى السائدة فى العديد من المناطق الآن، وكانت سائدة فى مناطق أخرى خرجت من متلازمة الدولة الدينية قبل عقود أو قرون ومضت إلى حال سبيلها فى مؤشرات التقدم والبحث العلمى والابتكار والاختراع والتنمية البشرية المرتفعة جدًّا وغير القائمة على النفط أو الغاز أو الذهب أو اليورانيوم، ولكن المرتكزة على معايير الاقتصاد القائم على الابتكار والتصنيع الذى لا يخلو من علم وبحث. أطالع أحيانًا تصريحات أو ردودًا أو خطبًا أو عظات أو خواطر لرجال أديان مختلفة لا تليق إلا بالعصور الوسطى كحد أقصى.
الإيمان والورع والتقوى والأخلاق قواعد تليق بكل العصور، لكن العمل على تغييب العقول وإلهاء القلوب وإغراق النفوس فى الخرافة والخزعبلات، سواء بحسن نية- على سبيل تخفيف الأوجاع والآلام عن الفقراء والمساكين وأبناء السبيل- أو بسوئها، حيث التخطيط المسبق للتغييب أو التدبير المحكم للتجهيل، لا يليق بأى عصر. حين اعتبرت الكنيسة فى أوروبا العلم تهديدًا للدين، وروجت للركود الفكرى، وعملت من أجل التحجر العلمى، وشيطنت التفكير والبحث والابتكار، واعتبرت نفسها المسؤول الأول والأوحد عن تحديد مَن يفكر كيف ومتى، أدخلت أوروبا فى عصورها الوسطى التى توصف تارة بـ«الحضيض» وأخرى بـ«الدرك الأسفل من العلم والإنسانية والحضارة». حرقت الكتب، وكفّرت العلماء، وحرّمت التفكير خارج الأطر التى سنّها رجال الكنيسة، الذين هم بشر يصيبون ويخطئون، وحرقت المختلفين والمعترضين. وحين خرجت أوروبا من غياهب تكفير التفكير وشيطنة العلم والتنوير لم تخرج عبر كتب التفسير الدينى رغم أهميتها أو مراجع الفقه والـ«هيرمنيوتكس» أو دراسة مبادئ تفسير الكتاب المقدس. ولم تخرج بمنع الدين أو إلغاء المعتقد أو اعتقال المتدينين. خرجت إلى نور العلم والحضارة والبحث العلمى والتفكير النقدى بحصول العلم على استقلاله من الفلسفة، واحترام التخصص حيث رجل الدين يتحدث عن الدين ورجل وامرأة العلم يتحدثان عن العلوم الاجتماعية من علم اجتماع ونفس وسياسة إلخ والعلمية من طب وهندسة وزراعة وصيدلة إلخ. أما إصرار هؤلاء على خوض مضمار أولئك، فأمر له العجب