يخطئ من يظن أن مفهوم «الحليف» يعني أن يكون لك حليف واحد لا ثاني له. المنطق والعقل والمصالح تقول إنه كلما كان لديك حلفاء اتسمت علاقاتك بالتوازن والتعقل.
علاقة المنطقة العربية، ودول مثل مصر والإمارات في القلب منها، بالشرق قديمة وراسخة. هي ليست وليدة الأمس أو أول من أمس، لذلك حين تشهد حراكاً عبر زيارات وتفاهمات فإنها لا تثير الدهشة، بقدر ما تستدعي قدراً من التفسير.
يوم الأربعاء الماضي أصبحت الإمارات أول دولة عربية توقع اتفاقات وشراكات تجارية ضخمة مع كوريا الجنوبية. إنها شراكة تمثل تحركاً إماراتياً وعربياً غير مسبوقين في اتجاه الشرق.
هذا التحرك العربي الكبير خرج إلى النور في زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لكوريا الجنوبية، وذلك بعد قمة مماثلة عقدت في أبوظبي مطلع العام الماضي. ومن كوريا الجنوبية إلى الصين، حيث «منتدى التعاون العربي الصيني»، وهو المنتدى الذي يمثل مرحلة جديدة أكثر قوة وعمقاً في العلاقات العربية- الصينية، تبلور هذا الاتجاه العربي بشكل أكبر.
إنها المرحلة المتزامنة مع وضع إقليمي أقل ما يمكن أن يوصف به هو الصعب، أو بالأحرى بالغ الصعوبة.
صحيح أن الإمارات هي الشريك التجاري الأول للصين عربياً بنسبة مساهمة تقدر بـ 30 في المئة من إجمالي تجارة الصين غير النفطية مع الدول العربية، وصحيح أن الصين كانت أكبر شريك تجاري للإمارات عالمياً عام 2022، إلا أن العلاقات الحالية لا يمكن أيضاً فصلها عن الدور، الذي يمكن أن تلعبه الصين في حلحلة الوضع الإقليمي المتأزم.
الحل الوحيد يكمن في «حل الدولتين»، ومن الواضح أن العديد من الأطراف الضالعة في الأزمة لا تضع هذا الحل ضمن أولوياتها.
كل من صاحب السمو رئيس الدولة، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الصيني شي جين بينغ تحدث عن أفق السلام في المنطقة، وعن ضرورة «حل الدولتين».
رئيس الصين دعا لعقد مؤتمر للسلام لإنهاء الحرب، ووصف ما يجري في غزة بأنه «لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية».
وهو تحدث عن رغبة بلاده في تعزيز علاقاتها بالدول العربية «لتكون نموذجاً للسلام والاستقرار»، مع مواصلة تقديم الدعم لتخفيف حدة الأزمة الإنسانية، وإعادة البناء في غزة بعد انتهاء الحرب.
لقد ثبت بالحجة والبرهان أن التوازن في العلاقات بين الدول، وأن التقارب مع الغرب لا ينفي أو يتعارض مع التقارب مع الشرق. دول مثل الإمارات ومصر لم تقطع حبل الوصال يوماً مع الشرق، وهي كثيرة، فالسياسة والاقتصاد والثقافة والفنون جميعها وصال.
عام 1990 رسّخ المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حبل الوصال مع الصين، في زيارة تاريخية كانت الأولى من نوعها، التي يقوم بها رئيس دولة خليجية إلى الصين، بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1984.
وكذلك مصر التي كانت أول دولة عربية وأفريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين في خمسينيات القرن الماضي، وتحديداً في مايو 1956. ومنذ ذلك التاريخ والعلاقات تنمو وتزدهر، والفريد فيها أنها قائمة على تفاهم وتناغم، وتفهم كامل لخصوصية الدول واحترام شؤونها ورؤاها للقضايا الإقليمية والعالمية.
اليوم تتلاقى الرؤى بشكل واضح. هذا التلاقي يصب في صالح المنطقة، وقضاياها. السياسة حاضرة، والبعد الاستراتيجي لا تخطئه عين، والاقتصاد بازغ الأثر.
زيارة سمو رئيس الدولة لكل من الصين وكوريا الجنوبية جمعت كل ما سبق، وهذا ما أكده وحلله معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، وهو يتحدث في «قمة الإعلام العربي» في دبي قبل أيام. قال إن الزيارة تعزز وتعدد جسور الإمارات الخارجية، وتؤكد البعد الاقتصادي الداخلي أو الإقليمي، مؤكداً انشغال الإمارات بالملفات الإقليمية، وأبرزها حالياً القضية الفلسطينية.
«النظام الدولي» استلزم تحركات في السياسة الخارجية، لتعكس حضوراً عربياً واضحاً، وهو ما أشار إليه قرقاش، مشيراً إلى أن هذا التكتل والجهد في السياسة الخارجية الحالية من شأنهما أن يجعلا قضايا المنطقة مسموعة وسط قضايا الآخرين في هذا النظام الدولي المريض.