بقلم:أمينة خيري
منذ اندلعت أحداث غزة والجميع مشاعرهم حامية ملتهبة متقدة، وهذا أمر طبيعى. والطبيعى أيضا أن يرى البعض أن ما جرى من هجمات «حماس» المباغتة وإلحاقها أضرارا كبيرة فى الداخل الإسرائيلى، وقتل أعداد ضخمة من الإسرائيليين وجنسيات أخرى، وأخذ أعداد كبيرة من الأسرى أعظم ما حدث فى ملف القضية الفلسطينية منذ عقود ويبارك ويدعم ويفرح ويبتهج لما جرى، لا سيما فى ضوء الصمت والسكوت الدولى أمام الصلف والظلم والبغى الإسرائيلى دون اعتبار لمدنيين أو حقوق إنسان أو اتفاقات دولية. هؤلاء يرون أن الشهداء والمصابين الفلسطينيين الذين وقعوا وسيقعون، والدمار والخراب الذى سيلحق ببنى غزة التحتية والفوقية، المنهكة أصلا، ثمن بخس للقضية. والطبيعى أيضا أن يعتبر فريق آخر ما جرى تهورا كبيرا وحماسة فى غير محلها ورعونة غير محسوبة من ألفها إلى يائها، لا سيما أنه معروف لأى طفل صغير أن رد الفعل الإسرائيلى لن يكون عنيفا، بل غارق فى العنف، ولن يكون موازيا أو مساويا لما قامت به «حماس» بل سيكون أضعافا.
لكن من غير الطبيعى أن يعتبر الفريق الأول من يصف هجمات «حماس» بـ«غير المحسوبة» بالصهيونية والعبودية والانبطاح. ومن غير الطبيعى أيضا أن ينعت الفريق الثانى من اغتبط لهجمات «حماس» بنعوت تتراوح بين السفه والجنون والهطل وغيرها. ما يدور على أثير الـ«سوشيال ميديا» يخبرنا بأن مفاهيمنا عن الاختلاف فى الرأى ووجهات النظر معتلة بشدة. وطالما صفات الخيانة والصهيونية والعمالة أبعد ما تكون عن الفريقين، فإن من حق الجميع أن يعبر عن موقفه مما يجرى، لا سيما أن مصر كانت وستظل طرفا فى القضية لأسباب تاريخية وجغرافية ونفسية واجتماعية يعرفها الجميع. الأعجب أن ترى صديقا مصريا يخبرك أنت المصرى أنه طالما أنت لست فلسطينيا، فلا يحق لك أن تكوّن رأيا من الأصل. لماذا؟ لأن رأيك مخالف لرأيه!، وقد هالنى كم التهديد بـ«البلوك» والوعيد بإلغاء الصداقة، مع قدر من الشتائم والسباب التى يدونها ويغرد بها البعض على صفحاتهم، وذلك بهدف ترويع الأصدقاء ممن قد تسول لهم أنفسهم أن يعبروا عن رأى مخالف لرأيهم. الطريف والمؤسف فى آن أن كثيرين من هؤلاء المهددين والملوحين بأسلحة إلغاء الصداقة هم أنفسهم من يعترضون دائما على نزق جماعات الإسلام السياسى التى تعتقد أنها وحدها من يمتلك الحق والحقيقة، وكل من يعارضها جاهل و«ليس منا». أى حوار هذا؟. والسؤال الآخر الذى يطرح نفسه هو أن «النصيحة» التى وجهها عسكرى إسرائيلى يوم الثلاثاء للفلسطينيين الفارين من الضربات على غزة بالتوجه إلى مصر، أى سيناء، لا يبدو أنها تلفت انتباه المتحاربين والمتراشقين بسبب موقف كل منهم من الأحداث، وعلى الرغم من النفى الإسرائيلى اللاحق، إلا أن النصيحة قيلت بالفعل، وهى قيلت لأن الفكرة تدور خلف الأبواب المغلقة، ألا تستحق نقاشا وحذرا مصريا فى خضم الأحداث؟.