بقلم - أمينة خيري
«علم الاجتماع 201» مادة إجبارية، وعلىَّ أن أسجل فيها حتى أتمكن من الانتقال إلى الفرقة الثانية في الجامعة. وكعادة الثقافة الطلابية، ولأنه يتم تدريسها من قِبَل أربعة أساتذة، ولكل منهم سمعته بين الطلاب من حيث التساهل في تصحيح الاختبارات، ودرجة الملل وغيرهما من مقاييس تهم قطاعًا عريضًا من الطلاب، فما قيل لى ممن سبقونى هو: لو كنتِ من هواة توسيع المدارك والنقاشات التي لا تقف عند حدود الكتاب والقراءات المقررة، فعليكِ بدكتور سعد الدين إبراهيم.
وقد كان، سجلت مع دكتور إبراهيم، وإذا بمبادئ علم الاجتماع وفهم أساسيات المجموعات الصغيرة والأسرة والتعليم والعمل وبنية المجتمع وتشكيل الحياة السياسية من منظور الاجتماع تتحول إلى شغف. ومن «علم الاجتماع 201» إلى «المجتمع العربى 210» مع الدكتور سعد الدين إبراهيم أيضًا لمعرفة وطريقة فهم أسباب ما يجرى في المنطقة العربية. أكرر طريقة للفهم، وليست إملاء نابعًا من مكلمة التاريخ المشترك والدين الواحد والعادات المتطابقة والتقاليد المستنسخة.
منحنا الدكتور سعد الدين إبراهيم أدوات فهم ما يجرى، ولماذا يحدث، ولماذا سيستمر في الحدوث- حلوه بمره- مادامت المعطيات لا تتجدد أو تتغير. ومن مادة «المجتمع العربى» ومدخل إلى الصفات الاجتماعية والثقافية ومشكلات المجتمعات العربية الحديثة وأثر التاريخ والاقتصاد والأيديولوجيات المتناحرة في تشكيلها، إلى تغيير كامل في الطريق الدراسى الذي كنت قد رسمته لنفسى. لقد منحنى هذا الرجل مفاتيح الفهم، فقررت أن أتحول من دراسة الإعلام إلى دراسة العلوم السياسية.
وهل هناك ما هو أفضل من العلوم السياسية المفعمة بعلم الاجتماع السياسى لفهم العالم، أو على الأقل لامتلاك الأدوات التي تُمكننا من فهمه؟!، وتوالت مواد علم الاجتماع من مرحلة لأخرى، ومن عام لآخر، وتسجيلى مع الدكتور سعد الدين إبراهيم لاكتساب المزيد من المعرفة وامتلاك قدر أوفر من المفاتيح للفهم يتحول إلى غاية.
وانتهيت من دراسة العلوم السياسية المفعمة بعلم الاجتماع السياسى، وحصلت على درجة البكالوريوس، وانتقلت إلى مرحلة الماجستير مدفوعة برغبة عارمة في عنوان يطاردنى «جماعات الإسلام السياسى: كيف نشأت؟ ولماذا تحظى بشعبية بين الناس؟ وما مستقبلها؟» لم يكن اسم جماعات «الإسلام السياسى» منتشرًا وقتها، وكان ذلك في أواخر الثمانينيات، رغم أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات اغتيل على يد إحداها.
لكن الدكتور سعد الدين إبراهيم كان يعرف أن «الإسلام السياسى» وجماعاته تمضى قدمًا، ولن تتوقف عند حد تزويج البنات وكفالة الأيتام ورعاية الأرامل، بل تمضى في طريقها نحو الحكم. وأتذكر البحث الأول الذي أنجزته تحت إشراف العظيم الدكتور سعد الدين إبراهيم وعنوانه «الإسلام دين ودولة!»، وكيف طورته على مدار سنوات الدراسة بفضل علمه وتشجيعه وقدرته الفائقة على نقل «مفاتيح الفهم والإدراك» إلى طلابه. نتفق أو نختلف مع توجهات الدكتور سعد الدين إبراهيم، لكن الجميع يتفق على مكانته العلمية وقدراته الاستشرافية في علم الاجتماع السياسى. رحم الله دكتور سعد الدين إبراهيم، الذي يبقى علمه من بعده «مفاتيح في الطريق».