بقلم:أمينة خيري
أخشى أن ننهمك فى أجواء الهبد والرزع المصاحبة للانتخابات، مع العلم أن أى انتخابات تأتى مصحوبة بقدر منهما، ولكنّ العِبرة فى النسبة والتناسب. وحين تجتاح نسبة الهبد والرزع الانتخابات نفسها ومرشحيها وأهدافهم والصالح العام، يكون التناسب قد اختل، والغاية نفسها من الانتخابات قد انتفت.
أخشى أن نغرق فى الركض وراء ما قاله فلان الذى كان واقفًا على يمين علان فى شارع كذا، وما رد عليه فلان الآخر الذى كان واقفًا على يساره، وما أدى إليه الرد من خلاف أو عراك. ولا يشفى حب استطلاعنا ما نتابعه من مجريات ما حدث، فنهرع إلى مواقع تخصصت فى التحقق من الخناقة الفلانية أو الحدث العلانى، وهى مهمة بالغة الأهمية فى عصر الأخبار المغلوطة والمفبركة والتزييف السطحى والعميق. ولكن الوقت الذى يستغرقه كل منا فى متابعة الهوامش والتحقق مما جرى فى الهوامش يستنزف الوقت والجهد والأعصاب والقدرة على الاختيار. بعضنا يظن أن التفكير فى الاختيار فى حد ذاته مرفوض، على اعتبار أنه أمر محسوم بالنظر إلى سيرة الإنجازات. والبعض يعتبر الاختيار حقًا أصيلًا من حقوق المواطن، حتى لو جاء اختياره مطابقًا لاختيار الفريق الأول. وهناك من يظن أن الاختيار يعنى «التغيير وخلاص»؛ بمعنى أن الطريقة الوحيدة التى يمكن أن تثبت فيها أنك حر باختيارك هى أن تختار التيار أو الشخص غير المتوقع.. وهناك من يعتقد أن الغرض من الاختيار هو إشهار القدرة على الإغاظة أو الكيد. مرّ المصريون بالكثير على الصعيد السياسى، وتحديدًا فى أحداث يناير 2011. وحتى قبل 2011، لم تكن الأمور السياسية فى أحسن حالاتها. السكون والخفوت لا يعنيان بالضرورة الرضا والقبول. والهدوء والابتسام أيضًا لا يعكسان بالضرورة الارتياح والسعادة. وقد ظهر هذا واضحًا فى هوامش 2011 فى رد فعل كثيرين على ما جرى فى ميدان التحرير. هؤلاء لم يتظاهروا أو يعبّروا عن غضبهم علانية، ولكن شعورًا ما انتابهم بأن أملًا ما ربما يلوح فى الأفق بأن التغيير القادم قد يحمل خيرًا لهم وتحسينًا لحياتهم.
ينبغى ألا تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة خناقة، بل يجب أن تكون مرحلة جديدة من مراحل نضجنا السياسى جميعًا دون استثناء. الانتخابات ليست «عركة تقطيع هدوم» أو ساحة نزال تحتم إلحاق فضيحة أو وصمة بالآخر. أتابع (مضطرة) أجواء الـ«سوشيال ميديا» المكتسية بأجواء «هوامش» الانتخابات، لا بأجواء الانتخابات. من الواضح تمامًا أن نسبة معتبرة غارقة حتى الثمالة فى مرحلة تقطيع الهدوم. لا أتحدث عن فئة تدعم مرشحًا بعينه أو آخر، أتحدث عن أجواء مشحونة تبدو وكأن الشرط الرئيسى للمشاركة فيها أن تكون شخصية غاضبة عدوانية هجامة سبابة لعانة. والمصيبة أن هذه الأجواء العجيبة لا تدور حول برامج انتخابية أو نوايا ترشحية أو معايير انتقائية، بل تدور وخلاص.