بقلم:أمينة خيري
أبطال حرب غزة كثيرون. هم الـ2.2 مليون امرأة ورجل وشاب وطفل من أهل القطاع الذى اكتسب عن جدارة مسمى «أكبر سجن مفتوح فى العالم». هذا الجيش المكون من نساء ورجال وشباب ومراهقين وأطفال ورضع من المدنيين العزل الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها فى حرب ضروس مجنونة بكل المقاييس. هذه الجموع الغفيرة التى ظلت مرابطة فى بيوتها حتى اشتد القصف لدرجة تحويل أحياء بأكملها إلى تلال من الركام. إنها الجموع الموثق نزوحها من شمال القطاع إلى جنوبه عبر صور وفيديوهات. إنهم الأحفاد الذين يدفعون الجدات والأجداد بكراسٍ متحركة قاطعين مسافات طويلة، والـ«سوبر مام» التى حولت كراسى الأطفال إلى عربات تجرها وفيها أطفالها بينما تحمل حقيبتين صغيرتين على كل كتف، والعائلات التى حملت مرتبة وبطانية وحقيبة صغيرة فيها أقل القليل من الملابس ووضعتها على عربة يجرها حمار وجلست فوق ما تبقى من ممتلكاتها. إنهم آلاف العائلات المكتظة فى المدارس التابعة لـ«أونروا» والتى ستبقى صورها بأسوارها الزرقاء وآلاف القطع من الملابس المنشورة عليها ومئات الأطفال وجدوا طريقة ما للعب فى الفناء الضخم قبل أو بعد إلقاء قذيفة فى منتصفه. إنهم هذا الجيش الجرار من الشباب والمراهقين (75 فى المائة من سكان غزة تحت سن الـ25 عامًا) الذين يهرعون فى ثوانٍ صوب الحى أو العمارة أو المبنى الذى تم قصفه ودكه فى محاولة للبحث عن ناجين تحت الأنقاض بأيديهم وإخراج من تيسر إخراجه من شهداء بجهود وإمكانات أقل ما يمكن أن توصف به هو البدائية المعضدة بالمروءة. إنهم هؤلاء الشباب الذين يحملون رجالًا ونساءً وأطفالًا لا يعرفونهم بين أيديهم وهم غارقون فى دمائهم ويهرعون بهم ركضًا إلى مستشفى لم يخرج بعدْ من الخدمة، بعدما تعذر عمل جزء كبير من سيارات الإسعاف.
وعند طواقم الإسعاف نتوقف قليلًا. هؤلاء الأبطال الذين ظلوا يقطعون أحياء غزة جيئة وذهابًا فى رحلات مكوكية مأساوية استجابة لنداء استغاثة هنا أو بعد تناقل أخبار قصف هناك. حتى مع انقطاع الاتصالات وقرب نفاد الوقود ما زالوا يتربعون على عرش البطولة بجهودهم الجديرة بأعلى جوائز وألقاب الإنسانية. فكل من هؤلاء لديه أسرة وأب وأم وزوجة وأبناء ربما لا يعلم عنهم الكثير أثناء عمله. الكثيرون منهم فوجئوا بأفراد من أسرهم ضمن المصابين أو الشهداء. ورأينا بعضهم ينهار بكاءً لهول ما رأى وحمل. إنهم هذا الجيش الجرار من الأطفال (نحو أربعة أطفال فى كل أسرة) الذين لم يكتفوا برؤية الأهوال، بل وجدوا أنفسهم مفعولًا به رئيسيًا فيها. طفل واحد يُقتَل كل 15 دقيقة، و40 فى المئة من مجموع من استشهدوا منذ اندلاع الحرب أطفال، بواقع 4300 طفل، بالإضافة إلى تقديرات بوجود 1500 طفل تحت الأنقاض.
أخيرًا وليس آخرًا، الأطفال الخدج الذين انفصلت عنهم أجهزة الحضانات فماتوا قبل أن يفتحوا عيونهم فى قائمة الأبطال