بقلم : أمينة خيري
الرفاق حائرون، يفكرون، يتساءلون فى جنون، رسائلهم، ماذا تكون؟، يفكرون، يتساءلون، يتهامسون، يتخيلون أشياء وأشياء، أسماء وأسماء، ويضيع كل هذا هباء. رسائلهم تلك ماذا تكون؟.
وأنا من جهتى أخبرهم: لا تخافوا واهدأوا، وظل الأمر هكذا، هم يتلقون رسائل، يجهلون أسبابها، يتعجبون ظهورها، يضربون أخماسًا فى أسداس حول مكوناتها، وأنا أُهدئ من روعهم، إلى أن وصلنى ذات مساء سيل رقراق فضفاض من الرسائل الشبيهة.
«عزيزى المواطن، تم تسجيل مخالفة على اللوحة المعدنية رقم كذا». فى البداية تحسست قلبى فرحة سعيدة، فأنا من أشد المؤيدين وأعتى المنادين برقمنة كل ما يمكن رقمنته فى الأوراق والوثائق والإجراءات الرسمية، وأنا من أعتى المنادين بالاهتمام بمنظومة المرور، ولى مؤلفات ومراجع أغلبها شكاوى وآهات من أحوالها التى لا تُرضى الكثيرين.
وكم كانت فرحتى، ليس فقط بأسلوب خطاب ونداء «عزيزى المواطن»، بل بالجهة الصادرة منها الرسالة «النيابة العامة، نظم المعلومات والتحول الرقمى». تهللت وسعدت وفرحت واستبشرت خيرًا، فقد أمد الله فى عمرى إلى أن رأيت بأم عينى رقمنة المخالفات ورقمنة أخبار المواطن، ورقمنة مخاطبته بـ«عزيزى». ولأننى مواطنة أفرق بين الصالح العام والصالح الشخصى، فلم أهتم كثيرًا لمسألة المخالفة القادمة، التى ستعنى قيامى بسداد مبلغ مالى ما.
ولم أفكر كثيرًا فى غرابة التزامى المفرط بقواعد المرور المعروف منها وغير المعروف، أو حتى تلقيبى من قِبَل أصدقائى ومعارفى بـ«حكمدار المرور»، حيث أرصد وأسجل وأنتقد وأتحدث عن السيارات الطائرة على الطرق، وتلك منزوعة اللوحات الخلفية عمدًا، وأخرى مطموسة الأرقام مع سبق الإصرار.
وتلك التى تغطى زجاجها لوحات المشايخ والكتابات والرسائل الرومانطيقية والعظات الدينية وحتى العبارات الأجنبية ومنها الخارج والخادش والإباحى، الذى لا يفهمه مَن وضعه على الأرجح، ناهيك عن التكاتك المارقة والميكروباصات المتمردة، والـ«تمناية» الهوجاء، وتحميل الركاب فى مطالع الكبارى، وترجلهم فى منازلها، وتحويل «يو تيرنات» فى شوارع حيوية إلى مواقف، وغيرها الكثير.
لكن حين قرأت أول رسالة، فوجئت بأنها تعود إلى يوم 10 يوليو الماضى. ماشى، مش مشكلة. ثم بدأت المشاكل تتواتر، وبدلًا من تحسس قلبى فرحًا، تحسست عقلى كمدًا وجيبى جزعًا، ففى هذا اليوم وحده، أربع مخالفات الواحدة بقيمة 400 جنيه، وبمجموع 2400. ولأننى كنت «أدبى» فى الثانوية العامة، فقد استعنت بالآلة الحاسبة، وضربت أربعة فى 400 وجدت المجموع 1600 وليس 2400.
قلت فى نفسى، مش مشكلة غلطة، والإنسان خطاء. وانتقلت إلى الرسالة التالية: عزيزى المواطن، مخالفة يوم 25 يوليو، عدد المخالفات ثلاث فى اليوم نفسه، والمخالفة الواحدة بـ400 جنيه أيضًا.
والمجموع 2000 جنيه. وكأى مواطن صالح، هرعت إلى حائط المبكى، وجدت العشرات من الرفاق يبكون ويولولون، الجميع حائرون، موجة الرسائل ضربت الكل، وأغلبها أربع وخمس وست مخالفات فى نفس اليوم، والإجمالى لا علاقة له بالعمليات الحسابية. عزيزتى الحكومة، أغيثينا. عزيزك المواطن.