بقلم:أمينة خيري
التصعيد على باب رفح تدور رحاه. إسرائيل تتصرف بعجرفة وتهور غير مسبوقين، والمنطقة يتم الدفع بها إلى مواجهات إقليمية لا يعلم إلا الله آثارها. دعك الآن من حديث «يالله نحارب» وغيرها من المشاعر الحماسية التى ينضح بها أثير السوشيال ميديا. أثير الحرب على الأرض وعلى الحدود وعلى أجساد البشر ومصائرهم يختلف بعض الشىء عن أثيرها على «فيسبوك» و«تويتر».
لا الدفع نحو حرب ممتدة شجاعة وإقدام، ولا تجاهل ما يجرى على الحدود حكمة وذكاء. المسألة ليست فى استفزازات إسرائيلية فى رفح الفلسطينية، ناهيك عن مجازر ترتكب دون هوادة بعد ساعات من قرار حركة «حماس» القيام بعمليتها يوم 7 أكتوبر الماضى. المسألة حاليًا تكمن فى تمدد رقعة الاستفزاز مع توافر كل عناصر «التوليع» الإقليمية والدولية. الإخوة الذين يتحدثون عن جيش عربى مشترك، وقرار عربى موحد، ووقفة عربية لا تلين... إلخ، لأن هذا ليس الوضع أو الحال أو الموقف.
الوضع والحال والموقف هو: حال حدوث مواجهة عسكرية مباشرة بين إسرائيل وطرف آخر حقيقى وليس وكلاء هنا أو هناك، فإن هذا الطرف الآخر سيكون الجيش المصرى والشعب المصرى. حنجورية المواقف لا تدوم طويلًا. والمقاومة بالتوليع ثم دفع آخرين لتولى مهمة المقاومة الحقيقية ليست مقاومة. حين يتطور الأمر لتهديد أو الاعتداء على الحدود المصرية، وهذا يلوح فى الأفق، فإن مصر لن تقبل. وعدم القبول مراحل ودرجات آخره مواجهة عسكرية شاملة، لا عبر شاشات التواصل الاجتماعى بعد انتهاء ساعات العمل فى الأمسيات المنزلية أو على مقاهى الطرقات.
تجميد معاهدة السلام قرار سياسى له تبعات، وليس قائمًا على حنجوريات. ومقابلة العجرفة بتصعيد غير محسوب ليس جرًا لرجل مصر إلى حرب – كما يتصور البعض، بل هو جر المنطقة برمتها إلى هاوية صراع، وسيبقى البعض خارج الدائرة حتى وإن قالوا أو ادعوا أنهم جزء منه وفى القلب منه. «نشوة» السابع من أكتوبر لم تدم طويلًا فى رأيى.
النشوة وحدها لا تكفى لتحرير أراض. قد تعيد تسليط الضوء على قضية، لكنها وحدها لا تسمن ولا تغنى من جوع. ولو كانت القضايا الكبرى والمصائب الفادحة والكوارث المستفحلة تحل وتستوى وتنتهى بعملية هنا أو حركة هناك لكانت الحياة أسهل بكثير مما هى عليه. أحد أكبر الدروس العملية والواقعية والحقيقية المستفادة من حرب القطاع هو أن القوانين الدولية ومواثيق الحقوق ومعاهدات الحرب والسلام وحتى المنظمات الأممية يتم ضرب عرض الحائط بها دون مجهود كبير.
الاحتجاجات الطلابية والتظاهرات الشعبية والجلسات القانونية فى دول عدة حول العالم والتى تعكس تضامنًا كبيرًا مع غزة وأهلها أمور بالغة الأهمية، ولكن يوم المواجهة، حين يجرى التصويت على قرار أممى مصيرى يقوم الـ«فيتو» بمهمة ردع الحقوق وخرق المواثيق، أو حين يصل الصراع إلى مواجهة بين جيشين تقول أرض الواقع – وليس خيوط العنكبوت- كلمتها.