ما يجري في غزة مأساة من ألفها إلى يائها. ياؤها ستنتظر ما ستسفر عنه مجريات الأمور. أما ألفها، فستحتاج من الجميع وقفة للفهم، ولكن الأولوية الآن هي أهل غزة وكل أهل فلسطين.
نتحرك ونركض وندعم ونتفاوض من أجل «فرملة» ما يجري في غزة على الأقل لحين الوصول لحل شبه مستدام. ورغم أنه يصعب التفكير فيما خلف الكارثة، أو ما يجري التجهيز له بعدها، حيث الإغراق التام في الحاضر المأساوي، إلا أن إغفال التجهيز لسيناريوهات ما بعد خفوت الحرب سيؤدي إلى نتائج لا يحمد عقباها للجميع.
الجميع طالته حرب غزة. بالطبع أهل غزة يبقون في الصدارة، ويكفي أن عداد الشهداء من المدنيين كسر حاجز العشرة آلاف، ناهيك عن نحو 32 ألف مصاب. لكن آثار الحرب الحالية ستكون طويلة المدى على الجميع.
المؤكد أن أحد أهداف ما جرى يوم 7 أكتوبر الماضي كان تغيير توازنات العالم وتحالفاته، وربما قلب الموازين، حيث يتحول المؤيد إلى مناهض، والمناهض إلى مؤيد، على اعتبار أن ذلك من شأنه أن يحقق مكاسب وربما يعيد حقوق، وهو ما لن يتحقق على الأرجح، على الأقل في المستقبل القريب.
المستقبل القريب يبقى غامض الملامح، لكنه ومعه الحاضر متخم بالقلق والغضب. الغضب معروف ومفهوم، حيث ما يتعرض له أهل غزة غير مقبول. أما القلق، فهو من مصير غزة وأهلها بالطبع، ولكن أيضاً مصير الصراع، ومخاوف تمدده، وإصرار البعض على تمديده خارج حدود القطاع اتباعاً للمبدأ الشمشوني «علي وعلى أعدائي».
لكن محاولات تمديد الصراع إلى دول الجوار وغير الجوار، والنفخ في النيران لتطال الجميع، بمن في ذلك أولئك الذي يدعمون القضية ولم يتخلوا عنها يوماً سواء بالقوة أم باللين، هي محاولات تكشف حقيقة الوجوه الكامنة خلف العديد من الأقنعة. استمرار الظلم قاتل ويزيد من حدته، لكن العلاج لا يكون بسكب الزيت على النار، ولو حتى على سبيل التذكرة بالظلم. والعواقب تكون وخيمة.
توسع دائرة الصراع لن يخدم القضية، ولن ينصف المظلوم، ولن يقضي على المعتدي، ولن يرد الحق لأصحابه. توسع دائرة الصراع سينسف القضية، ويزيد عدد المظلومين، ويفاقم دائرة الحقوق المسلوبة، ناهيك عن اتساع دائرة الخراب والدمار.
الحديث عن المنطق وتحكيم العقل في خضم العنف صعب، لكن السكوت على المحاولات المستمرة لتوسيع دائرة الصراع، والزج بالمنطقة، لا سيما دول الجوار في حرب متعددة الأطراف أصعب. مصر ماضية على نهجها وعقيدتها في دعم فلسطين والقضية الفلسطينية منذ 75 عاماً. ولو أنكر البعض ذلك، فلا التاريخ أو الحاضر يعترفان بالنكران.
ومنذ تفجر الوضع في غزة عقب يوم 7 أكتوبر الماضي، تسارعت الجهود وتكثفت. وهي جهود واجبة وليست تفضلاً. لكن هناك جهود أخرى تبذل من أجل توسيع الصراع لتصبح حرباً إقليمية بالمعنى الفعلي. وما يتم التلويح به بين الوقت والآخر، وبشكل متسارع ومكثف حول توطين أو تهجير أو نقل لأهل غزة في سيناء، ما هو إلا دق مستمر على أوتار توسيع دائرة الصراع، ولكن بخبث شديد.
لا يخلو الإعلام على مدار الساعة من أسئلة ظاهرها بريء وباطنها خبيث. لماذا لا تفتح مصر أبوابها على مصاريعها أمام أهل غزة؟ وكأن مصر تمنع عن أهل غزة الدعم والمساعدة والتضامن.
هذا الفتح المطلوب، والذي تنادي به إسرائيل تارة عبر منصاتها وأخرى عبر منصات أخرى، لن يؤدي إلا إلى المزيد من تصفية القضية الفلسطينية، وإغلاق باب عودة من ينزحون إلى أرضهم للأبد، وتوسيع دائرة الصراع لا تقليصها.
والإمارات تعي مغبة توسيع الدائرة جيداً. وقد ظهر هذا جلياً في التحذير الذي أطلقته وزيرة الدولة، نورة الكعبي، قبل أيام حين حذرت من الخطر الحقيقي الكامن في توسيع دائرة الحرب بين إسرائيل و«حماس». وبينما الحاجة ماسة لـ«خفض درجة حرارة المنطقة المقتربة من الغليان»، يعمل آخرون على رفعها وتفجيرها، ليبقى الجميع حبيس دائرة العنف.
بينما الحاجة ماسة لخفض درجة حرارة المنطقة المقتربة من الغليان يعمل آخرون على رفعها وتفجيرها ليبقى الجميع حبيس دائرة العنف.