بقلم - أمينة خيري
المؤشرات والعلامات والأمارات تقول إن الاجتياح الإسرائيلى لرفح بات وشيكاً، بعد ساعة، أو يوم، أو بضعة أيام، لكن اجتياحاً من نوع ما سيحدث، ولو من باب حفظ ماء الوجه لإسرائيل بعد كل ما فعلته فى القطاع وبه.
لا أعتقد أن إسرائيل تعنى حقاً، وبالطبع لا تريد، أن تقضى على «حماس». فهذا ليس فى مصلحتها، لا لأسباب إنسانية أو خوفاً من الرأى العام العالمى أو ما شابه، ولكن لأن بقاء «حماس» -بشكل أو بآخر- يقدم لها كل ما تريده من مبررات، لا فى حرب القطاع الدائرة رحاها حالياً، ولكن من أجل تبريرات مستقبلية.
وبينما سكان غزة فى رحلة البحث عن مهرب، تارة ينزحون من الشمال والوسط صوب الجنوب، وأخرى يعاودون التوجه من الجنوب إلى الشمال، فإن الوضع فى رفح سيكون حتماً كارثياً بشكل مضاعف، حيث الوضع الحالى كارثى بما فيه الكفاية.
كيف سيتصرف العالم إزاء الاجتياح المرتقب؟ ستطالب دول بالتروى والتهدئة ومراعاة الجانب الإنسانى، وستسارع أخرى إلى العمل من أجل إرسال تبرعات وأغذية لمن يبقون على قيد الحياة، وستدعو مجموعة دول إلى اجتماع عاجل فى مجلس الأمن لبحث الموقف. والمؤكد أيضاً أن دولاً ومنصات إعلامية دولية وإقليمية ستُحمل مصر مسئولية آثار اجتياح رفح، حيث يكتظ ما بين مليون و200 ألف و1٫5 مليون فلسطينى فى ظروف أقل ما يمكن أن توصف به هو اللاآدمية. سيترك هذا الفريق الأخير ما يجرى من حرب ضروس، ويوجه سهام النقد والاتهام لمصر وأهلها. هى عادة أصيلة، ولن تتغير.
مصر لم ولن تقصر يوماً فى واجبها الإنسانى والعربى، مهما كانت الظروف التى تمر بها. وهى لا تنتظر اعترافاً أو شكراً من أحد. تنتظر فقط وعياً كافياً من أهلها.
وعلى سيرة الأهل، فإن أهل الدين من علمائه الأفاضل الذين درسوا علومه وانتهجوا النهج الإنسانى الوسطى لهم كل الاحترام والتبجيل فى مجال تخصصهم. نسأل عن الصيام والأحكام والصلاة والأخلاق وغيرها من شئون الدين، فهذا صميم تخصصهم. وأسأل على سبيل الاستفسار، لماذا تضيع الحدود أحياناً فى مسألة التخصص هذه؟ طبيب يفتى فى الدين، ومحاسب يترك دفاتر الحسابات ويعمل داعية متنقلاً بين الفيلات فى الكومباوندات، وسباك يتبرع بأن يؤذن للصلاة فى زاوية فى «مول» تجارى ثم يُصعد نفسه من الأذان إلى الإدلاء بدلوه فى شئون الدين للمصلين، وعالم دين لا يطلب ممن يسأله عن حكم من يتنازل عن شقة إسكان اجتماعى لآخر لا يستحقها، أو من يسير عكس الاتجاه فى الطريق العام، أو من يحتكر السلع أو يبالغ فى التسعير، أو هل يصوم وهو مصاب بالسرطان، أو هل كحك العيد حرام أو حلال أو غيرها أن يتوجه إلى وزارة الإسكان أو يقرأ قانون المرور أو يتصل بوزارة التموين أو يستفسر من الطبيب المعالج أو يتوجه إلى أقرب حلوانى، لا أن يسأل رجل دين؟! كما ذكرت هو سؤال بغرض الاستفسار، لأننى أنتمى لزمن كان فيه الدين لأهل الدين، والطب لأهل الطب، ودفاتر الحسابات لأهل الحسابات، والكحك والبسبوسة والكنافة للحلوانى.
وأضيف أننى على يقين بأن إجابة علماء الدين على أسئلة فى غير تخصصهم تأتى من منطلق عدم رد السائل وترفقاً به، لكن ألا يمكن أن يفسر ذلك بتداخل الاختصاصات، وتشابك المجالات، والانتقاص من القانون لحساب الفتوى. هل السير العكسى مثلاً ممكن أن يكون حراماً أو مكروهاً للمسلم، لكن مسموحاً لغير المسلم؟ بداية تجديد الخطاب الدينى واللحاق بما فاتنا، أو حتى العودة لما كنا عليه فى زمن التنوير يبدأ بفض اشتباك التخصص، دون أن ينال هذا من ذاك، أو يضر ذاك هذا.
وعلى ذكر الضرر، أحياناً أنظر إلى رئيسات الدول والوزيرات والسفيرات وصاحبات المناصب العليا، والنساء المعيلات اللاتى يتكفلن بالإنفاق على أسر فيها رجال بشنبات وشباب وأتساءل عن أسئلة ترد إلى علمائنا الأفاضل من المتخصصين فى الأمور الدينية، وهم يسألون: هل يجوز أن تزور زوجتى أهلها رغم أنى منعتها من ذلك؟ أو ما حكم الزوجة العنيدة التى ترفض أن تسلمنى راتبها، حيث إننى المنوط بقيادة سفينة الأسرة؟ وغيرها كثير من الأسئلة، ومنها ما يكاد يصل إلى السؤال: هل المرأة إنسان؟ لماذا لا يكون لعلمائنا الأفاضل موقف من هذه الأسئلة من المنبع، وليس الرد بأنه يجوز أو لا يجوز؟
وعلى سيرة الـ«يجوز»، أسأل: حين تهنئ أحدهم بمناسبة لا تؤمن بها بالضرورة، هل من الوارد أن يهتز إيمانك أو تفقد قيمك أو تتبدد قواعدك أو تضيع أخلاقك أو ينقص تدينك؟ أم أن فاقدى الثقة فى أنفسهم فقط هم من تعتريهم هذه المخاوف؟ سؤال موجه لعلماء النفس وأطبائه.