بقلم : محمد أمين
لا ألوم على أحد يسأل عن أي شىء.. فليس شرطًا أن يعرف أحد ما تعرفه.. وليس شرطًا أن يهتم أحد بما تهتم به، وهناك أسئلة تفتح أحيانًا بابًا للكتابة بعيدًا عن السياسة ووجع الدماغ وما تتناوله السوشيال ميديا من موضوعات لها حساسية معينة بطريقة أو بأخرى!. من هذه الأسئلة سؤال عن معنى الجميز، وكنت أحكى لأبنائى عن فاكهة القرية التي كنا نقبل عليها في موسم الصيف.. سألنى أحد الأبناء: جميز يعنى إيه يا بابا؟!. لا يعرف الأبناء أننا في الصيف كنا نأكل التوت والجميز بديلًا عن فواكه كثيرة، وكانت العملية ماشية، خاصة أننا من الجيل الذي كان يفرح بأغنية «الحلوة دى قامت تعجن في البدرية والديك بيدن كوكو كوكو في الفجرية»، وكنا مبسوطين.. ربما لأننا كنا نعيش مثل بعضنا البعض، لا فرق بين مواطنين ومواطنين.. لم يكن هناك ساحل طيب وساحل شرير، ولا سكان تجمع وسكان مصر القديمة!.
المهم أننى شرحت لهم يعنى إيه جميز.. وقلت إنه ثمرة تشبه التين البرشومى أو هي نوع من أنواع التين، وحلاوتها لا تضاهيها حلاوة، وكنا نأكلها مجانًا لا ندفع فيها أي شىء.. وكان الناس أكثر تسامحًا مع الآخر، فصاحب شجرة التوت يتركها للمارة، وهكذا شجرة الجميز وأشجار الجوافة.. وحتى الخضار مثل الطماطم والخيار والبامية والملوخية كانت متروكة لمَن يريد استخدامها دون بهدلة حتى تصلح للغير!، واندهش الأولاد من هذه الحكايات، وقبل أن تأخذنا الدهشة بعيدًا، كان هناك موضوع عن شجرة الجميز على أحد المواقع يقول: «يُعتبر شجر الجميز من الأشجار القديمة والمعمرة التي عرفها الناس منذ بدايات التاريخ البشرى، ومازالت بعض أشجار الجميز شامخة صامدة بقرى المحافظات تروى بصمودها تاريخ الأجداد والآباء، وكانت شجرة الجميز من أهم معالم التراث الريفى بمحافظات مصر لما لها من ذكريات محفورة في الأذهان!.
تحت ظلها تغنى الأجداد والآباء بأغانى الصبر والفرح والحزن، فجميع قصص الحب قديمًا كانت الجميزة شاهدة عليها، وقد ترجمت ذلك المطربة الشعبية حورية حسن في أغنيتها (جميزة دار العمدة)، وكان قديمًا شجر الجميز يتقدم كل منزل أو دوار عمدة، وأسهم ذلك في تهدئة النفوس والتخفيف من وطأة الخلافات ونشر الرضا في قلوب الأهالى، فعاشوا حياة سعيدة هنيئة».أفضل تعبير في الموضوع أنها شجرة تنشر الرضا في قلوب الأهالى، فقد كان الرضا هو العنوان.. لا احتجاج على طعام ولا شراب ولا نوع من الفاكهة.. كانت الجوافة التي تُباع على أيامنا بقروش قليلة.. أما التوت والجميز فلا.. الآن كل شىء يُباع التوت والجميز والجوافة والبلح ومن الخضار البامية والملوخية والخيار والطماطم.. وقد كانت متاحة لمَن يجمعها بدون مليم!.
وهى في بعض البلاد حتى الآن بدون نقود، بعض الموسرين يزرع قيراطًا أو قيراطين للاستخدام المنزلى واستخدام الحبايب والأقارب!. شجرة الجميز كانت شاهدة على قصص الحب وحكايات الأولاد والبنات، خاصة الشجرة التي كانت تقع عند فرع النيل، وكانت ثمرتها تقطر عسلًا يُذكرك بالحب وذكريات تلك الأيام!.