بقلم : محمد أمين
الصحافة الفلسطينية قدمت للعالم النموذج الصحفى المحترم.. وأثبتت للدنيا أن الصحافة موقف وليست بالكلام، وكل يوم تقدم شهيدًا لأنه أدى دوره بإخلاص للوطن.. آخر الشهداء اليوم هي حنين القشطان وأسرتها، الصحفية الشابة، واحدة في سجل الشهداء البالغ عددهم 46 شهيدًا حتى الآن!
سبقت «حنين» قبل سنوات شيرين أبوعاقلة، ولكن الصحافة لم ترتعد أو تتأثر بالعدوان، فتنكمش أو تختبئ وراء الناس، ولكن كانت تتقدم الناس نحو الحرية.. هذا وائل الدحدوح لم يرتجف ولم يتوقف عن العمل رغم استشهاد أسرته بالكامل، وظل أيقونة الصحافة الحرة المرتبطة بالوطن!
وهكذا تقدم الصحافة الفلسطينية الدرس لكل الصحافة العالمية، وتعلمها الصحافة الميدانية رغم الألم ورغم المعاناة!
وبالمناسبة، فإن وائل الدحدوح يستحق أن يُسجل في سجلات الصحافة العالمية، وأن تُمنح الجوائز الصحفية باسمه كصحفى فدائى، لم يتراخَ عن فداء الوطن بنفسه، وظل يعمل وهو ينزف، وتابع زميله الشهيد ووقف بجانبه في وقفة فدائية نادرة.. لم يعرف وطنًا غير غزة فوُلد ونشأ بها ودرس فيها وقضى معظم سنوات حياته فيها!
ذاق مرارة السجن بسبب أنه غزاوى، واعتُقل في سجون الاحتلال لمدة سبع سنوات.. بدأ حياته المهنية مراسلًا لصحيفة «القدس» الفلسطينية، واشتغل لصالح وسائل إعلام أخرى قبل أن يلتحق بقناة «الجزيرة» عام 2004. واشتُهر بتغطيته المتواصلة والمستمرة لما يجرى في قطاع غزة، كونه مراسلًا رئيسيًا للقناة القطرية في القطاع، ويتواجد فيه باستمرار!
تعرضت أسرة وائل الدحدوح يوم 25 أكتوبر الماضى لقصف جوى إسرائيلى طالَ المنزل الذي نزحت إليه في مخيم النصيرات، ما تسبب في مقتل زوجته وابنه وابنته وحتى حفيده، وذلك بعد أن كانت سلطات الاحتلال قد حثَّت المواطنين على النزوح لجنوب القطاع بدعوى أن المنطقة هناك آمنة!
لم يرضخ للدعوات الإسرائيلية بالنزوح إلى الجنوب وظل إلى جوار شعبه في كل المحن والمُلمات.. لم يغادر غزة إلى أي مكان في العالم، وكان يملك، ولكنه آثر أن يرابط في الوطن!
برز اسمه من خلال نجاحه في تغطية الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة للقطاع، ومتابعة عمليات اغتيال إسرائيل الشخصيات الفلسطينية البارزة، وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين، وقادة عسكريون من الأذرع العسكرية الفلسطينية، من بينهم شقيقه وعدد كبير من أقاربه!
غطَّى إلى جانب رفاقه تداعيات الانقسام الفلسطينى الداخلى، كما كانت له بصمة في تغطية الأحداث عبر شاشة قناة «الجزيرة»، من بينها الحصار الإسرائيلى المستمر على القطاع وتأثيره على الجوانب الحياتية للناس، والقوافل التضامنية البحرية والبرية، وما تبعها من هدم واقتحام للحدود المصرية مع القطاع!
كان يعمل وقت الغارة الإسرائيلية على أسرته، وظل يعمل بعد استشهاد أفراد الأسرة.. باختصار هذا هو الصحفى الذي يعمل حتى آخر نفس في حياته بلا خوف ودون رعب!.