بقلم : محمد أمين
رمضان مرتبط بالياميش والعصائر مثل التمر والسوبيا وغيرهما.. ومنذ عقود كنا لا نعرف الياميش، ولا نتذوق طعمه وكنا لا نعرفه فى أسواق القرى والمدن الصغيرة.. وكانت الحكومة تمنع استيراده حفاظًا على العملة الصعبة.. وكنا لا نعرف غير بلح عم عويدة.. كان «عم عويدة» يزور قريتنا قبل رمضان بشهر للبحث عن مكان ينزل فيه بتجارته.. وما إن يطمئن على مكان يتفق عليه، حتى يسافر للصعيد، ويعود مرة أخرى مع رمضان بسيارة البلح القناوى!
وكان عم عويدة رجلًا بسيطًا يتاجر فى البلح الأبريمى، وينادى على بضاعته بهذا الاسم وفى الغالب كان البلح درجة تالتة من كناسة أجران البلح.. وكان يمسح البلح من تراب الجرن، ويبيعه بالقدح ويملأ جيوب الأطفال بقروش بسيطة!
كانت الدنيا بسيطة وكان أهل القرية يفسحون له مكانًا يشبه المضيفة عبارة عن غرفتين مفتوحتين على بعضهما كانت محل إقامته وتجارته بثمن زهيد مقابل أن يبيع الناس البلح بأسعار فى متناول يدهم.. وكأن هذا هو شرط العقد والضيافة.. وهو راض والناس راضية.. ثم تسمع صوته ينادى باللهجة الصعيدية: البلح الأبريمى!
عرف الناس عم عويدة فى كل رمضان.. كان يأتى للقرية فى موسم رمضان.. وكان البلح هو فاكهة الشهر، يأكلون ثلاثًا أو خمسًا طبقًا للسنة.. واستغنى به الناس عن الياميش.. حتى إننا لم نعرف قمر الدين فى ذلك الوقت ولا المشمشية ولا القراصيا ولا التين!
أعتقد أننا عرفنا الزبيب وجوز الهند قبل قمر الدين وغيره من الياميش.. لأننا كنا نحب المهلبية والأرز أبولبن فى العيد.. وكانت الأمهات يزينّ المهلبية بجوز الهند والزبيب.. عرفنا أنواع الياميش فى وقت متأخر وكان سعرها غاليًا كما كان التجار يبيعونها مخزنة فكان طعمها مختلفًا فلم نقبل عليها.. وظللنا نتمسك بتمر عم عويدة، وهى أرزاق مقسمها الخلاق، ليعرف الفقير كيف يعيش!.
بعد ذلك عرفنا الياميش مع الصحف وتعرفنا على معناه ورأينا الكثير منه فى التليفزيون لكننا لم نكن نعرفه على المائدة.. وقبل أن نعرف قمر الدين وطريقة عمله كان كثير منا يحب التمر الهندى والسوبيا والعرقسوس والمشاريب التى نحبها مثل البرتقال والمانجو وكان البعض يخزن المانجو فى الثلاجات انتظارًا لقدوم رمضان ويرى أنها أفضل من قمر الدين الذى يتغير طعمه من عام إلى عام!
وأخيرًا بقى عم «عويدة» هو الأفضل خاصة لو جاء بنوع فاخر من البلح كنا نعمله بلبن.. فكأنك تأكل تمرات مع مذقة لبن، فتحقق السنة النبوية مع الإفطار.. وانتصر البلح الأبريمى على الياميش.. وظل باقيًا سواء استوردت الحكومة الياميش أو امتنعت.. سواء أحببنا الياميش، أم عافته نفوسنا إما لتخزينه، وإما لغلاء سعره!.