بقلم:خالد منتصر
دخل وزير التعليم رضا حجازى حقل الألغام وعش الدبابير عندما أعلن قرار حظر النقاب فى المدارس، ويجب تحيته على شجاعته فى زمن يهرب فيه المسئول من المواجهة الحاسمة، المسئول الذى يفعل كما فعل بطل قصة «يوميات نائب فى الأرياف»، عندما دفع بالجثة التى فى الترعة إلى القرية
المجاورة ليتحمل مسئولية التحقيق فيها شخص آخر يتبع دائرة أخرى!، اختار الوزير المواجهة الجذرية، وقدم درساً عملياً وليس كلاماً حنجورياً، فعلاً على أرض الواقع، الدرس والفعل لكل من لم يعرف معنى المواطنة فى الدولة المدنية الحديثة، المواطنة أنت مصرى وأنتِ مصرية فى الشارع والمستشفى والمؤسسة والمدرسة والمصلحة الحكومية.. إلخ، لا يجب أن ترفع أو ترفعى رمزاً دينياً فى هذه الأماكن، لأنها ملكى وملكك وملك المسيحى والبهائى واللادينى.. إلخ، والنقاب ليس زياً، ولكنه إخفاء هوية وراية سياسية، هو لثام يخفى بطاقة هويتك عن الآخرين، فمن حقى ومن حق أى إنسان أن يعرف من يحدثه أو يتعامل معه أو يعطيه الحقنة أو يتفاعل معه فى الدرس.. إلخ، يا وزير التعليم لا تخف فأنت مدعوم إنسانياً واجتماعياً وقانونياً ودينياً أيضاً، وأرجوك لا تدخل فى مبارزات على أرضية دينية فتقول حديثاً فيردون عليك بحديث، وتطرح تفسيراً فيجيبون بتفسير مضاد، وندخل فى حلبة المتاهة التى يجيد المتطرفون اللعب فيها، لكن تحدث دائماً من على أرضية مدنية، ولا يوجد أفضل من قرار المحكمة الدستورية العليا الذى رد على كل ما قيل وسيقال فى هذه المسألة، وأدعو كل مثقف وقاضٍ ومهموم بهذا الوطن أن يقرأ حيثيات ومنطوق هذا الحكم الذى صدر فى 18 مايو 1996 من أعلى حجية قانونية، وهى المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار عوض المر الذى رفض دعوى ولى أمر طالبة منتقبة بمدرسة إيزيس الثانوية بالإسكندرية ضد وزير التربية والتعليم وقتها د. حسين كامل بهاء الدين، والتى كانت قد مُنعت من دخول المدرسة، وحيثيات الرفض بها عبارات وجمل لا بد من تدارسها والتأمل فيها لأهميتها فى حسم اللغط والجدل الدائر حول تفسيرات البعض للمادة الثانية من الدستور، الخاصة بمبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر تشريع، وإقحام الأعراف الاجتماعية والأزياء والطعام وكل ما هو خلافى يخضع للتطور، ومحاولة تحنيطه ونسج فزاعة قانونية لكل من تسول له نفسه مناقشة أمر فقهى مختلف عليه ليس ثبوتى القطعية والدلالة، ونقتبس هنا بعض العبارات من حكم الدستورية العليا:
«شريعة الله لا تمنح أقوال أحد من الفقهاء فى شأن من شئونها قدسية تحول دون مراجعتها وإعادة النظر فيها بل وإبدالها بغيرها، فالآراء الاجتهادية فى المسائل المختلف عليها ليس لها فى ذاتها قوة متعدية لغير القائلين بها، ولا يجوز بالتالى اعتبارها شرعاً ثابتاً متقرراً لا يجوز أن ينقض، وإلا كان ذلك نهياً عن التأمل والتبصر فى دين الله تعالى، وإنكاراً لحقيقة أن الخطأ محتمل فى كل اجتهاد، بل إن من الصحابة من تردد فى الفتيا تهيباً، ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء ليس أحق بالاتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء سنداً أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة ولو كان مخالفاً لآراء استقر عليها العمل زمناً.
ليس متصوراً أن تموج الحياة بكل مظاهرها من حولها، وأن يطلب منها على وجه الاقتضاء أن تكون شبحاً مكسواً بالسواد أو بغيره، بل يتعين أن يكون لباسها شرعاً قرين تقواها، وبما لا يعطل حركتها فى الحياة.
لا دليل من النصوص القرآنية ولا من سنتنا الحميدة على أن لباس المرأة يتعين شرعاً أن يكون احتجاباً كاملاً، متخذاً نقاباً محيطاً بها منسدلاً عليها لا يظهر منها إلا عيناها ومحجراهما، فإن إلزامها بإخفاء وجهها وكفيها وقدميها عند البعض لا يكون تأويلاً مقبولاً، ولا معلوماً من الدين بالضرورة.
كشفها لوجهها أعون على اتصالها بأخلاط من الناس يعرفونها ويفرضون نوعاً من الرقابة على سلوكها، وهو كذلك أكفل لحيائها وغضها من بصرها وأصون لنفسيتها وأدعى لرفع الحرج عنها.
لا يناقض قرار منع ارتداء النقاب فى المدارس نص المادة الثانية من الدستور، ذلك أن لولى الأمر فى المسائل الخلافية حق الاجتهاد بما ييسر على الناس شئونهم، ويعكس ما يكون صحيحاً من عاداتهم وأعرافهم، وبما لا يعطل المقاصد الكلية لشريعتهم التى لا ينافيها أن ينظم ولى الأمر فى دائرة بذاتها لباس الفتاة.
القول بأن القرار المطعون فيه يخل بالحرية الشخصية مردود عليه بأنه حتى ولو جاز القول بأن مظهر الشخص من خلال الأزياء التى يرتديها يبلور إرادة الاختيار التى تمثل نطاقاً للحرية الفردية يرعى مقوماتها ويكفل جوهر خصائصها، إلا أن إرادة الاختيار هذه ينبغى قصر عملها على ما يكون لصيقاً بالشخصية، مرتبطاً بذاتية الإنسان فى دائرة تبرز معها ملامح حياته وقراراته الشخصية فى أدق توجهاتها، وأنبل مقاصدها، كالحق فى اختيار الزوج وتكوين الأسرة، وأن يتخذ الشخص ولداً، ولا يجوز بالتالى بسطها إلى تنظيم محدد ينحصر فى دائرة بذاتها، يكون الصالح العام ماثلاً فيها ضبطاً لشئون هؤلاء الذين يقعون فى محيطها».
انتهى الاقتباس من حكم المحكمة الدستورية العليا، ولكن لم تنتهِ معركة الدولة الحديثة والمواطنة ومواجهة التزمت وتجديد الفكر الدينى.