بقلم - خالد منتصر
الكوميديا هي الفن المظلوم، الكوميديا فن عقل وفن مفارقة، أى أنه يحتاج جهداً ذهنياً وفكرياً من المشاهد ومشاركة فى صناعة المشهد مع الممثلين.
ولذلك أرى أن كتابة الكوميديا أصعب من كتابة التراجيديا، لأنك تخاطب الضحكة العقلية وليست الدمعة العاطفية، وبالطبع أنا أتكلم عن الكوميديا الفنية، والكوميديا لا بد أن تكون إنسانية، والبعض هنا لم يفهم بعد تلك النقطة، فيحشو الكوميديا بألفاظ وقحة أو تنمر على لون بشرة أو جنس بنى آدم أو طائفة أو عرق أو وزن أو عاهة.. إلخ.
كوميديا الموقف صعبة ومجهدة فى الكتابة، أما كوميديا القافية والردح والضرب بالشلاليت، فتلك ليست كوميديا، ومن فرط التماس مع قضايا المجتمع والشارع صارت هناك الكوميديا السوداء، الضحكة التى نهايتها دمعة أو صرخة أو نحيب، الكوميديا كاشفة ومعربة وفاضحة ومتمرّدة ومغيرة للعقول وصادمة للمستقر والمألوف، لذلك لا بد من زيادة الأعمال الكوميدية، وتشجيع كتاب السيناريو الكوميديين وتقديم الدعم لمنتجى تلك الأعمال من صناع الكوميديا الحقيقية المطبوخة على مهل وبمنتهى الجدية، فعلى عكس ما نتخيل لا بد أن يكون كاتب الكوميديا فى منتهى الجدية والصرامة والتفاعل مع هموم الشارع،وعلى قدر كبير من الثقافة وامتلاك حس اللغة وفلسفة المفارقة، السخرية ليست هى الشتيمة أو السفالة، إنها نقد لاذع للفجوات الاجتماعية والنفاقات السلوكية والسياسات العبثية، وأستطيع أن أقول ودون مبالغة إن الكوميديا من أمضى وأخطر الأسلحة ضد الإرهاب والفكر الداعشى المتخلف، ومن شاهد مسلسل «طاش ما طاش»، على سبيل المثال، يرى كم أثر فى المجتمع هناك ورفع مناعته الثقافية ضد الإرهاب وخلق حساً نقدياً قوياً ضد مظاهر كانت الجماعات هناك تعتبرها ركناً أصيلاً من العقيدة والدين، وكذلك مثلاً مراتي مدير عام كم رفع الوعي بأهمية عمل المرأة ..الخ
والجيل الأكبر يتذكر كم أثرت فرق التليفزيون المسرحية التى أسسها الفنان الكبير سيد بدير على الحس والفكر والوجدان المصرى، وخلق حالة بهجة وأيضاً حالة وعى ثقافى أضاء جنبات المجتمع وقتها، الكوميديا صعوبتها فى ذلك الخيط الرفيع بين البساطة والسطحية، وصعوبتها أيضاً كيف يكتب المؤلف بشياكة عن مظاهر فجّة، ويمشى برشاقة وسط أكوام قمامة وأشواك ونفايات تدمى الأقدام؟! إنها أصعب فنون الكتابة وأجملها.