عبقرية نجيب محفوظ تتجلى فى أنه يكتب لكل الناس، حتى الأطفال كتب لهم قصة عبقرية فى مجموعة «خمارة القط الأسود»، أقتبس لكم منها بداياتها:
الطفلة: بابا...
الأب: نعم!
الطفلة: أنا وصاحبتى نادية دائماً مع بعض.
الأب: طبعاً يا حبيبتى فهى صاحبتك.
الطفلة: فى الفصل، فى الفسحة، وساعة الأكل.
الأب: شىء لطيف، وهى بنت جميلة ومؤدبة.
الطفلة: لكن فى درس الدين أدخل أنا فى حجرة وتدخل هى فى حجرة أخرى.
لحظ الأم فرآها تبتسم رغم انشغالها بتطريز مفرش، فقال وهو يبتسم:
الأب: هذا فى درس الدين فقط...
الطفلة: لِمَ يا بابا؟
الأب: لأنك لك ديناً وهى لها دين آخر.
الطفلة: كيف يا بابا؟
الأب: أنت مسلمة وهى مسيحية.
الطفلة: لِمَ يا بابا؟
الأب: أنت صغيرة وسوف تفهمين فيما بعد.
الطفلة: أنا كبيرة يا بابا.
الأب: بل صغيرة يا حبيبتى.
الطفلة: لِمَ أنا مسلمة؟
الأب: بابا مسلم، وماما مسلمة، ولذلك فأنت مسلمة.
الطفلة: ونادية؟
الأب: باباها مسيحى، وأمها مسيحية، ولذلك فهى مسيحية.
الطفلة: هل لأن باباها يلبس نظّارة؟
الأب: كلا، لا دخلَ للنظّارة فى ذلك، ولكن لأن جدها كان مسيحياً كذلك.
وقرر أن يتابع سلسلة الأجداد إلى ما لا نهاية حتى تضجر وتتحول إلى موضوع آخر، لكنها سألت:
الطفلة: مَن أحسن؟
وتفكر قليلاً ثم قال:
الأب: المسلمة حسنة، والمسيحية حسنة.
الطفلة: ضرورى واحدة أحسن.
الأب: هذه حسنة، وتلك حسنة.
الطفلة: هل أعمل مسيحية لنبقى دائماً معاً؟
الأب: كلا يا حبيبتى، هذا غير ممكن، كل واحدة تظل كباباها ومامتها.
الطفلة: ولكن لِمَ؟
فى الحقيقة، أن التربية الحديثة طاغية... وسألها.
الأب: ألا تنتظرين حتى تكبرى؟
الطفلة: لا يا بابا.
الأب: حسن، أنت تعرفين الموضة. واحدة تحب موضة، وواحدة تفضّل موضة، وكونك مسلمة هو آخر موضة، لذلك يجب أن تبقى مسلمة.
الطفلة: يعنى أن نادية موضة قديمة؟
الله يقطعك أنت ونادية فى يوم واحد. الظاهر أنه يخطئ، رغم الحذر، وأنه يُدْفَع بلا رحمة إلى عنق زجاجة، وقال:
الأب: المسألة مسألة أذواق، ولكن يجب أن تبقى كل واحدة كباباها ومامتها.
الطفلة: هل أقول لها إنها موضة قديمة وإنى موضة جديدة؟
فبادرها الأب: كل دين حسن، المسلمة تعبد الله، والمسيحية تعبد الله...
الطفلة: ولِمَ تعبده هى فى حجرة وأعبده أنا فى حجرة؟
الأب: هنا يعبَد بطريقة وهناك يعبَد بطريقة...
الطفلة: وما الفرق يا بابا؟
الأب: ستعرفينه فى العام القادم، أو الذى يليه، وكفاية أن تعرفى الآن أن المسلمة تعبد الله، والمسيحية تعبد الله.
الطفلة: ومن هو الله يا بابا؟
وأخذ، وفكر ملياً، ثم سأل مستزيداً من الهدنة:
الأب: ماذا قالت «أبلة» فى المدرسة؟
الطفلة: تقرأ السورة وتعلمنا الصّلاة، ولكنى لا أعرف، ، فمن هو الله يا بابا؟
إذا أردتم معرفة كيف رد الأب بطريقة نجيب محفوظ الروائى ودارس الفلسفة، اقرأوا القصة.