بقلم: فاطمة ناعوت
كيف يحقُّ لك أن تمضى قبل أن أوقّعَ لك نسخةً من كتابى «حوار مع صديقى المتطرِّف» الذى أقنعتنى بضرورة إعادة طباعته من جديد تحت عنوان «محاكمةُ القمح»، عسانا نساهمُ فى تنبيه النشء الصغير لخطر «جماعة الإخوان» الذى عشناه نحنُ، ولم يعشه الصغار؟!، كيف ترحلُ قبل أن ترى الكتابَ الذى قلتَ إنه جرس إنذار للأجيال الجديدة لئلا تقعَ فى شَرَك الجماعة الإرهابية التى تكيد للوطن منذ عام ١٩٢٨ ومازالت، ولا تزالُ، ولن تزالَ؟!. كتابى، الذى تدورُ صفحاتُه الآن فى المطابع، يعودُ إليكَ فضلُ ميلاده الجديد. فأنت مَن قرأ الكتابَ وقت صدوره قبل ثمانى سنوات وتحمّس له، وأنت مَن ناقشه فى «صالون علمانيون» فى إبريل الماضى مع الصديق «أحمد سامر»، وأنت مَن تكلّم عن أهمية طباعته مُجددًا، واقترح دارَ النشر، وأنت مَن عطّل نفسَه عن أعماله فى أحد صباحات مايو الماضى ليلتقى بى فى «مكتبة مدبولى» بوسط البلد، لنقدّم نسخةً من الكتاب للصديق «محمود مدبولى» ويشرح له أهميته وضرورة طباعته، وأنت مَن وعدته بتوقيع أولى نسخه له.
لهذا، فـ عِوضًا عن توقيع إهداءٍ عابرٍ مكتوبٍ بخط اليد على صفحة الكتاب الأولى بالقلم الحبر، سيكونُ الإهداءُ مطبوعًا فى صدره كجزءٍ أصيل مِن مَتنِه. ومثلما أهديتُ الكتابَ فى طبعته الأولى عام ٢٠١٦ إلى «مُحيى الدّين بن عربى، وغاندى، وجبران، وجلال الدين الرومى، وغيرهم من رُسُل السّلام والمحبّة»، وكذلك إلى ابنى «عمر»؛ «عساه يعيشُ فى مجتمع عادل خيّر، يليقُ بجماله ونقائه»، أهديه اليومَ إلى روحك الوطنية المثقفة أيها الصديق النبيل الدكتور «محمود العلايلى» الذى غدَرَنا وغادرنا مبكرًا جدًّا، وسط دعائنا وتضرّعنا إلى لله أن ينقذك من الزائر الخبيث المباغت الذى اختطفكَ من بين أيدينا فى وقت جدّ قصير، قبل أن نفهمَ ما يحدثُ أو نتمكنَ من زيارتكَ ووداعك، وقبل أن توقّعَ لنا روايتَك الجديدة عن «دار مدبولى» «عزرائيل وطقوسُ الدماء الذهبية» التى تنبأتَ فيها برحيلك المفاجئ، فكتبتَ على غلافها الخلفى: «من أيام وأسابيع، كان الموت بيطاردنى، كنت خايف أموت، دلوقت بقيت خايف أعيش، هو فاكر إنه هو اللى بيحقق العدل فى الدنيا، واللا تكون إنت اللى فاكر كده!!.. إحنا بقينا نتكلم عن الموت أكثر ما بنتكلم عن الشغل والأكل والعيال. أنا كنت فاكر إن عزرائيل شغلته يقبض الأرواح بس، لكن طلع إنه ممكن يدمر حياة الناس وهما عايشين».
العزيز د. «محمود العلايلى».. سوف نفتقدك صديقًا راقيًا ابن أصول لا مثيل له، ووطنيًّا فاعلا ساندَ وطنَه فى جميع الأزمات التى مرَّ بها، وناشطًا سياسيًّا لامعًا له رؤيةٌ محترمة فى الاقتصاد وعلوم الوطن، ومناضلا تنويريًّا واعيًا راقيًا، وقلمًا رفيعًا جسورًا عزَّ نظيرُه. سوف تفتقدكَ أسرةُ جريدة «المصرى اليوم» التى ترافقت أقلامُنا على صفحاتها سنواتٍ طوالاً، وسوف يفتقدك قراؤك وجمهورك أديبًا جميلا وكاتبًا صحفيًّا مهمًّا، مثلما يفتقدك مرضاك طبيبًا جادًّا خففت آلامهم بعلمك وقلبك. أما زوجتك الجميلة «نانسى»، وأسرتك وذووك، فهنا يتوقف القلمُ عاجزًا عن خطِّ كلمات مواساة وعزاء.. فأنا أعلمُ هولَ الصدمة وحجمَ الوجع الذى يعيشونه اليوم، ولا كاشفَ له إلا اللُه الرحمنُ الرحيم. اللهم أحسنْ عزاءهم وطيِّبْ قلوبَهم بـ بَرَدِ الصبر الجميل والاحتساب. ولا نقولُ إلا ما علّمنا اللهُ أن نقول: «يا أيتها النفسُ المطمئنة ارجعى إلى ربّك راضيةً مرضية، فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى».
■ ■ ■
ومن نُثار خواطرى:
(اختطاف)
هذا الشاهدُ الباردُ
فوق ضريحكَ
ما كان ينبغى له
أن يكونَ رُخامًا
باردًا
مادام كان بوسعِه
أن يغدوَ
كلمةً فى كتابك الجديد
أو قبسَ نورٍ
يضيئ مكتبك
فى ليلةٍ معتمة
قررتَ فيها أن تخطَّ
مانيفستو
تحرير الوطن
...
هذا الزائرُ اللصُّ
الذى اختطفك منّا
ما كان له أن يكونَ ما كان
إذْ كان بوسعه أن يكون
ريشةً
فى جناح طائر
يحملُ
علمَ بلادى.