بقلم: فاطمة ناعوت
كان يومى محتشدًا بالعمل والضغوط، ودخلتُ أحد المقاهى لالتقاط أنفاسى واختطاف فنجان من القهوة لعلّه يمنحنى بعض الطاقة قبل استكمال اليوم الشاق. جاءنى النادلُ الشابُّ بابتسامة المودة وتمنّى لى يومًا طيبًا، فسألته: «انتخبت؟»، فقال: «لسه، رايح بعد ساعة»، فمازحتُه قائلة: «إوعى تكسّل ومتروحش!»، فقال بدهشة حقيقية يشوبها الاستنكار: «هو ينفع مروحش؟ ينفع أصلًا حد في مصر ميروحش يدى صوته لمصر؟!، دى مصر يا أستاذة!». هذا الشابُّ الواعى يدرك أن صوتَه كنزٌ حقيقى من حق مصر أن تناله لقاء ما قدمت لنا نحن المصريين من شرف الانتماء إليها والتنعّم بخيرها. هذا الشابُّ المصرى يدرك أن مشاركته في انتخاب رئيس قادر على العبور بمصر إلى ضفّة الأمان والتحضّر هو واجبه تجاه مصر، وأنه بمشاركته في العملية الانتخابية، التي بدأت بالأمس وتمتد اليوم وتنتهى غدًا، يسهم في صنع غدٍ مصرى مشرق تستحقه مصر.
هذا الشابُّ وجميع مَن نزلوا وأدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الراهنة ٢٠٢٤ يدركون جيدًا أن التواكلية والأنامالية والكسل هي سبل تفكك المجتمعات وانهيارها، وفى المقابل أن العمل والكد والمشاركة الفاعلة في صنع القرار هي طريق صنع المجتمعات القوية الصامدة في وجه المحن. المواطَنة عَقْدٌ بين إنسانٍ وبقعة أرض، أُقيمت فوقها دولة، ينتمى لها هذا الإنسان فيصيرُ مواطنًا عليه واجبات وله حقوق. عقدٌ متبادَلٌ وفورىّ الإبرام والحقوق والواجبات. لابد أنْ أعطى الوطن كل طاقتى في التفانى في العمل والالتزام بالقانون والمشاركة الفاعلة في بناء الوطن حتى أنال حقوقى الدستورية التي يؤمِّنها لى الوطن. المصريون بالخارج صنعوا نموذجًا مشرّفًا في مشهد الانتخابات الرئاسية في جميع أنحاء العالم كما شاهدنا على شاشات القنوات. وكذلك يفعل المصريون داخل الوطن. مصرُ أمامها اليوم تحديات خارجية وضغوط مخيفة علينا جميعًا الاصطفاف جبهةً واحدة لمواجهتها. علينا كذلك الوقوف معًا للذود عن مصر ضد أعدائها، الذين يرومون خلخلة استقرارها وزعزعة وحدتها واصطفاف شعبها.
أعداءُ مصر في الداخل والخارج يقاتلون من أجل ترويج أفكار مغلوطة عن مصر تقول إن مصر غير مستقرة سياسيًّا ومتعثرة في المِراس الديمقراطى، ولذا فإن نفرًا من المواطنين لن يذهبوا إلى صناديق الانتخابات الرئاسية ولا يكترثون، وهذا لا يدل إلا على أمر واحد وحيد. أن المواطن المصرى لا يعرف «حقوقه» ولا يعرف «واجباته»، وهذا عينُ الخلل المجتمعى ومقتل الديمقراطية. هذا ببساطة ما يتمناه أعداء مصر: تشويه وجه مصر أمام العالم وكسر شوكتها وإضعافها حتى يكون من اليسير إخضاعها للضغوط والإملاءات الظالمة، التي تبنى مصلحة كيانات استعمارية حاقدة، على حساب مصلحة مصر!.
مشهدُ اللجان الشاغرة، والصناديق الفارغة من أوراق الناخبين، هو «المشهد الحُلم» بالنسبة لكارهى مصر، وهو ما يرجوه خصومُ مصر، وما لن يحدث بإذن الله، فكما أثبتَ المصريون بالخارج وطنيتهم في سفاراتنا المصرية بكل دول العالم في لجان الانتخاب الرئاسى، حين ملأوا سماوات الدنيا بأعلام مصر خلال الأيام الماضية، فكانت صفعةً مدوية على وجه أعداء مصرَ، سوف يصنع المواطن المصرى داخل مصر سيمفونيته الخاصة في لجان الوطن لكى تكون الصفعة مزدوجة على وجه مَن يريد تشويه وجه مصر.
إن بلدًا مثل مصر في حجمها التاريخى والحضارى والتنموى الراهن مكتوبٌ لها الصمود والثبات في وجه الإرهاب والضغوط الاستعمارية لكى تظل مصر حاضرة في مدونة التاريخ وفى وجهة قاطرة الأمم. مصرُ هي مصرُ، ولماذا سوف تظلُّ مصرَ، مهما تكسّرتِ النِّصالُ على النصالِ في قلبها الطيب، الذي يفتح دروبه لكل الدنيا، والذى هو بحجم الدنيا؟. لأن وراءها شعبًا واعيًا يحبها ويدعمها ويؤدى واجباته تجاهها. مصرُ باقيةٌ بشرفائها المصريين ممن يعيشون فيها، وممن يعيشون خارجها وقلوبُهم فيها. لهذا نحتشد في لجان الانتخابات، ونملأ الصناديق بأصواتنا الشريفة التي تحمل الحبَّ لمصر، التي ليس لنا غيرها حضنٌ ولا ملاذٌ ولا دفءٌ.
معًا سوف نساهم في صنع غدٍ أطيب لنا جميعًا في ظل وارفة أشجار بلادنا الطيبة، التي تنتظر منّا الكثير من الجد والعمل ومحاربة الفساد والكسل والإهمال والتراخى والأنامالية حتى تصعد مصرُ إلى المكانة التي ينبغى لها أن تكون فيها. وسوف نردُّ السهامَ الموجّهة صوب قلب مصر إلى صدور رُماتِها الأشرار التعساء؛ الذين لا يعرفون ما معنى: «المواطن المصرى»، الذي يظهر معدنه النقىُّ في المواقف والمحكّات الحقيقية. لن نقبلَ أن نكون شوكة في خصرها، كما يريد لنا خصوم مصر أن نكون. سنشاركُ في الانتخابات حتى نستحق اسم مصر الشريف، وحتى نكمل مسيرة التنمية المشهودة التي صنعها شرفاؤها على مدى السنوات العشر الماضية، والقادمُ بالتأكيد أجمل بإذن الله. تحيا مصر.