الرئيس والبابا محرابٌ ومذبح

الرئيس والبابا... محرابٌ ومذبح

الرئيس والبابا... محرابٌ ومذبح

 عمان اليوم -

الرئيس والبابا محرابٌ ومذبح

بقلم: فاطمة ناعوت

 هذا يومُ ميلاد رسول السماء لنشر السلام على الأرض، الذى جاء ليعلّم الناس الغفران والتسامح والمحبّة المطلقة غير المشروطة. كان «يجولُ يصنعُ خيرًا»، فقال فيه القرآنُ الكريم «وجِيهًا فى الدُّنيا والآخِرةِ ومِن المُقَرَّبين». السيد المسيح عليه وعلى والدته البتول السلام، الذى جاء ليخبر الناسَ أن محبة القريب والصديق من طبائع الأمور، أمّا محبة العدو والمُسىء فهى من عزم الأمور، وخيرُ الأمور عزائمُها لأنها محكُّ الاختبار الإنسانىّ الصعب والدليل على أننا نجاهدُ أنفسَنا ونجهَدُ أن ننهلَ من روح الله الغفور الرحيم: «واغفرْ لنا ذنوبَنا كما نغفرُ نحن أيضًا للمُذنبين إلينا»، و«لَمَن صبَرَ وغفرَ إن ذلك لَمِن عزم الأمور»، «والكاظمين الغيظَ والعافين عن الناسِ واللهُ يحبُّ المحسنين». أتقدّمُ بخالص آيات التهنئة بعيد الميلاد المجيد وأطيب المنى فى العام الجديد لقداسة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثانى، ولجموع أشقائى مسيحيى مصرَ والعالم، وللعالم بأسره فى العام الجديد وعيد الميلاد المجيد.

وبالرغم من الأهوال التى يمرُّ بها العالم، والصعابِ الجسام التى تمرُّ بها مصرُ، حرص الرئيس السيسى كعادته كلّ عامٍ على زيارة كاتدرائية «ميلاد المسيح» بالعاصمة الجديدة فى قداس عيد الميلاد ليقدم التهنئة فى عيد الميلاد، ولكى يُمرّر رسائلَ عديدةً من بينها أنه راعٍ لجميع أبناء مصر دون حسابات ولا استثناءات، وأن المشاغل والمشاكلَ لا تمنعُ الراعى عن القيام بواجباته تجاه شعبه. لهذا وقفَ الرئيسُ إلى جوار البابا، ووجّه كلمته القصيرة للمصريين والعالم، قائلًا إن محبته وتقديره واحترامه لشخص البابا ناجمة عن مواقفَ وطنيةٍ تاريخية مشهودة لا يصنعها إلا رجالٌ ذوو بأس. وهذا حقٌّ، فنحن لا ننسى مواقفَ البابا تواضروس فى سنوات الإرهاب الأسود حين قرّر أزلامُ الإخوان الإرهابيون استهدافَ الكنائس بمَن فيها من أقباط مصر المسيحيين فى لحظات صلواتهم، فاستُشهد منهم أبرارٌ عُزّلٌ مسالمون أحياء عند ربهم يُرزقون، وفُجرت كنائسُ عديدةٌ؛ كان عهدًا على مصرَ إصلاحُها. وصدقتْ مصرُ عهدَها وأصلحتْ ورمّمتْ وشيدت الجديد فى «الجمهورية الجديدة»، وهذا حقٌّ لمسيحيى مصر، الذين يُثبتون على مرّ الزمان عمقَ وطنيتهم وعشقَهم اللامشروط لمصر الطيبة فى المحكّات والصعاب. فى تلك الأيام السوداء طاف البابا تواضروس على قيادات العالم، التى كانت تنتظر منه كلمةً سيئة عن مصرَ وقيادتها بعد إسقاط الإخوان، لكنه، رغم قلبه النازف بالوجع على أبنائه الشهداء، رفع عاليًا هامةَ مصر ووجهَها الناصعَ وقال إن «المسلمين والمسيحيين فى مصر يدٌ واحدة فى وجه الإرهاب، الذى هو عدوُ أقباط مصر مسلمين ومسيحيين، وإن وطنًا بلا كنائسَ خيرٌ من كنائسَ بلا وطن». هكذا شرفاءُ الوطن، الذين يحملون الوطن فى قلوبهم ويرفعون لواءه فى الضرَّاء قبل السرّاء. وقال الرئيسُ فى كلمته القصيرة إن الأزمات تمرُّ وتهونُ حين نكون معًا شعبًا واحدًا وصفًّا واحدًا لا يُشقُّ ولا تنفصمُ عُراه. وتكلّم قداسة البابا عن «الوصايا العشر»، التى وردت فى توراة العهد القديم وامتدت للعهد الجديد، ومن أبرزها «لا تقتل»، ومع هذا فإن الإنسانَ يقتلُ أخاه الإنسانَ وكأنه لا يُنصتُ إلى صوت الله!، ثم طلب من الناس أن يرفعوا صلواتهم من أجل كل المتألمين والمجروحين وجميع مَن يسكن مناطق الصراع أن يسبلَ اللهُ عليهم سُدُلَ السلام.

فى زيارته الأولى للكاتدرائية يوم ٦ يناير ٢٠١٥ بعد تسلّمه قيادة الوطن، كتبتُ قصيدة عنوانها «محرابٌ ومذبح»، وأهديتها للرئيس السيسى، الذى كان من الوطنية والجسارة أن يَسُنَّ سُنةً طيبة، فى سابقة تاريخية، ليهنئ الأقباطَ بعيد الميلاد المجيد من قلب كنيستهم، كما يليق بقائد عادل لا يعرفُ التمييزَ ولا المحاباة. قلتُ فيها:

«زهرةٌ أورقتْ فى الأشجارِ اليابسة/ حينَ خرجَ الأميرُ من مِحرابِه حاملًا قرآنَه وقلبَه/ فيصعدُ إلى مَِنْجَليةِ الَمذبحِ يقرأُ سورةَ مريم/ ليبارِكَ الطفلَ الجميلَ فى مِزْوَدِ البركة/ ثم ينحنى يرتّبُ هدايا الميلادِ تحتَ قدمىْ الصغيرِ الأقدس: ذهبًا ولُبانًا ومُرًّا/ فتبتسمُ الأمُّ البتولُ/ وتمسحُ على جَبهةِ الأميرِ هامسةً: مباركٌ أنتَ بين الرجالْ أيّها الابنُ الطيبُ/ فاجلسْ عن يمينى واحملْ صولجانَ الحُكمْ/ وارتقِ عَرش بيتى/ وارفعْ رايتى عاليةً بين النساءْ/ علّمِ الرَّعيَّةَ كيف يحتضنُ المحرابُ المذبحَ/ وكيف تتناغمُ المئذنةُ/ مع رنينِ الأجراسْ/ وارشدْ خُطاهم/ حتى يتبعوا النَجمَ/ الذى سوف يَدُلُّهم على الطريقْ/ إلى أرضِ أجدادِهم الصالحين بُناةِ الهرم/ فإذا ما وصلوا إلى ضفافِ النيلْ/ أوقَدوا الشموعَ فى وهجِ الصبحِ/ حتى تدخلَ العصافيرُ عند المساءِ أعشاشَها/ بعدما تبذرُ القمحَ والشَّعيرَ والسوسنَ/ على أرضِ طِيبةَ كلِّها/ فلا ينامُ جائعٌ جائعًا/ ولا محرومٌ يبقى محرومًا/ ولا بردانٌ بردانًا ينامُ ليلتَه/ ولا حزينٌ يجِنُّ الليلُ على عينيه/ دونما يدخلُ قلبَه الفرحُ».

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرئيس والبابا محرابٌ ومذبح الرئيس والبابا محرابٌ ومذبح



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد

GMT 21:16 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab