كتاباى الجديدان وحدوتةُ الحاج «مدبولى» 1

كتاباى الجديدان.. وحدوتةُ الحاج «مدبولى» (1)

كتاباى الجديدان.. وحدوتةُ الحاج «مدبولى» (1)

 عمان اليوم -

كتاباى الجديدان وحدوتةُ الحاج «مدبولى» 1

بقلم: فاطمة ناعوت

قبل أيام صدر لى كتابان جديدان: «صهواتُ الخيول»، و«محاكمةُ القمح»، عن دار «مكتبة مدبولى» العريقة. وهذا المقالُ ليس عن الكتابين، بل عن الاسم الثقيل: «مدبولى»، «الرقم الصعبُ» فى دنيا الكتب وعالم النشر، والذى يعرفه كلُّ قارئٍ وكاتبٍ وباحث أكاديمى، مصريًّا كان أو عربيًّا؛ بوصفه: «فكرةً»، أو «حدوتة مصرية خاصة»، أو «حالة» فكرية ثورية تنويرية، لا تشبه إلا نفسَها. «مدبولى» ليس مجرد اسم لمكتبة شهيرة تشرقُ مثل بلّورة ساطعة فى قلب ميدان «طلعت حرب»، بل هى مؤسسةٌ ثقافية تنويرية ونضالية، لها تاريخٌ قديم انطلق من منتهى البساطة إلى منتهى العمق، حتى صارَ حكايةً شجيّة يحكيها الأبُ لابنه، والأستاذُ لتلاميذه، ويتناقلها الكبارُ إذا ما لمحوا فى صغارهم بوادرَ الشغف بالقراءة أو الكتابة.

«محمد مدبولى»، الشهير فى الوسط الثقافى بـ«الحاج مدبولى»، زار عالمنا عام 1938، ورحل عام 2008. وبين الرقمين سبعون عامًا من الكفاح الشاق مع الكلمة والفكرة، حتى صار أشهرَ ناشر وموزع كتب، فى مصر والعالم العربى. ونرصدُ أقوالًا خالدة لحُكّام عرب ومسؤولين كبار، فى مناسبات ثقافية مثل افتتاح معارض الكتاب ببلادهم، أقرّوا بأنهم نهلوا معارفهم من «مكتبة مدبولى»؛ مثلما تعلموا ودرسوا فى «جامعة القاهرة». وأضافوا أنهم فى سنوات دراستهم كانوا أحيانًا يستعيرون الكتبَ ولا يدفعون مقابلها، ريثما تصلهم الحوالاتُ المالية من ذويهم. وكثيرًا ما يقول المثقفون العرب إن زيارتهم لمصر لا تكتمل إلا بزيارة المكتبة: «نأتى إلى القاهرة لنستمتع بالنيل، والأهرامات، وصوت «أم كلثوم» فى دروب وطنها، ولابد أن يكون الختام زيارة «مكتبة مدبولى»، لنحمل كنوزَ الكتب فى رحلة العودة».. هكذا صارت «مكتبة مدبولى» من علامات مصر السياحية ومعالمها «التراثية المتجددة». وأعلم أن الكلمتين السابقتين لا يجوز جمعُهما: «تراثية- متجددة»؛ فهما ضدان لا يتصالحان. فالتراثُ تراثٌ لثباته، والتجديد ضدُّ الثبات. لكن الضدين يجتمعان حال الكلام عن «مكتبة مدبولى»، لأن شأنَها شأنُ الفكر الحر المتجدد خصيم الثبات. فالمكتبةُ عطفًا على المعرض الضخم الكائن فى العمارة المجاورة للمكتبة، تتبدّلُ فيهما عناوينُ الكتب كلَّ يوم، فتحلُّ الإصداراتُ الجديدة محلَّ القديمة، فى حضن أمهات الكتب؛ التى تحرصُ المكتبةُ على توزيعها حتى وإن لم تكن هى ناشرَها. ذاك أن صاحبها الراحل، ومن بعده حامل مشعله الراهن الابن المهندس «محمود مدبولى»، همُّهما الأولُ «نشرُ» الثقافة، بالمعنى الاعتبارى النبيل، وليس وحسب «نشرَ» الكتب بالمعنى الحرفى المادى للكلمة. فسوف تجد على الرفوف كتبًا ودواوينَ للحلاج والسهروردى وجلال الدين الرومى وابن عربى والمتنبى والجواهرى والسياب ودرويش، إلى جوار إصدارات المكتبة لشباب الأدباء الذين تراهنُ الدارُ عليهم بعدما تقرأ مخطوطاتِهم لجانٌ استشارية متخصصة مكونة من كبار الأدباء والمفكرين الذين يتعاونون مع المكتبة احترامًا لاسمها الكبير وتاريخها الجليل.

بدأت رحلةُ كفاح «الحاج مدبولى»، بعد «الحرب العالمية الثانية»، منذ كان صبيًّا فى السابعة من عمره يساعدُ والدَه فى توزيع الصحف والمجلات العربية والأجنبية على أماكن المثقفين ومجالس الجاليات الأوروبية والدوائر الأرستقراطية المنتشرة فى مصر آنذاك. ثم شرع مع الخمسينيات فى توزيع الكتب والروايات تلبيةً لمطالب المثقفين، فعرف طريقه لدور النشر العريقة فى بغداد وبيروت ودمشق، وراح يستورد جديدَهم فى الأدب والفلسفة، وراح يطالعُ ويقرأ، بعدما علّم نفسَه بنفسِه، لكى يتعرف على نبض الحراك الثقافى وذائقة القارئ، حتى صار مع الوقت خبيرًا فى فنّ تذوّق الكتب، وتكوّنت لديه مَلكةُ «تشريح الكتاب» ومعرفة خباياه، فغامر ودخل مضمارَ طباعة الكتب ونشرها، حتى صارت «مكتبة مدبولى»: «بورصةَ الكِتاب، وبوصلة القارئ»، كما قال مثقفون وباحثون عرب فى كتاب «الحاج مدبولى.. قصة كفاح».

اختطفه شغفُ الحرف والكلمة، وهو «شَرَكٌ» لو تعلمون عظيم! إن اختطفت حبائلُه إنسانًا؛ ما عاد قادرًا على الهروب والفكاك. وهو ذاتُ «الشَّرَك النبيل» الذى اختطف نجلَه الأصغر «محمود مدبولى»، الذى حمل مشعلَ والده «الحاج مدبولى» بعد رحيله، رافضًا أن يزوى هذا النجمُ الساطع فى قلب القاهرة، بل راح يفتتحُ فروعًا جديدة لمكتبات مدبولى فى عواصمَ عربية أخرى، لكى تُشرقَ شمسُ مصرَ فى مشارق الدنيا ومغاربها. ولابد أن أعلن فخرى بزميل دراستى، المهندس «محمود مدبولى»، ليس فقط كونه ابنَ «هندسة عين شمس»، و«قسم العمارة» مثلى، بل لأنه حافظَ على إرث أبيه العظيم، وغامرَ باستكمال مشواره الشاقّ فى طباعة ونشر الكتب، فى مجتمعاتٍ ليست القراءةُ، للأسف، من أولوياتها! فكأنما يبيعُ «سِلعةً بائرةً»، فى ظلِّ ارتفاع أسعار الورق وحرصه على الطباعة الأنيقة كما يليق باسم المكتبة العريق، تخسرُ أكثرَ مما تكسب!! لكن كسبَ «المال» يتضاءلُ أمام قيمة «المعرفة».

فى مقالى القادم «يوم الإثنين» بإذن الله أستكملُ معكم أسرار حدوتة «الحاج مدبولى».

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتاباى الجديدان وحدوتةُ الحاج «مدبولى» 1 كتاباى الجديدان وحدوتةُ الحاج «مدبولى» 1



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab