بقلم : عبد اللطيف المناوي
«كلنا عايزين سعادة.. بس إيه هى السعادة؟».. كلمات كتبها أبوالسعود الإبيارى، وغناها إسماعيل يس فى أحد أشهر مونولوجاته، وقد لخص فى هذا المونولوج الكثير من المفاهيم الخاصة بالسعادة. أظن أن المونولوج يعود إلى خمسينيات القرن الماضى، ولكنه يلح علىَّ كل فترة، فأسمعه، وكأننى أقرأ كتابًا أو دراسة أو أطّلع على فلسفة خاصة بالسعادة.
نحن الآن فى عالم ملىء بالضغوط والتحديات، ويبدو أن مسألة أن تكون سعيدًا أو تعيش على الأقل فى راحة نفسية صعبة المنال، لكنها تظل هدفًا أساسيًّا لمعظم الناس.
من حالة إسماعيل يس وأبوالسعود الإبيارى، إلى دراسة للجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA)، والتى تشير إلى أن السعادة لا تعتمد فقط على الظروف الخارجية، مثل المال أو النجاح المهنى، بل تعتمد بشكل كبير على العوامل الداخلية مثل القيم الشخصية والعلاقات الاجتماعية والصحة النفسية. ولهذا، فإن ما يحدث حولنا يسهم بشكل كبير فى إفقادنا للسعادة، أو بنبرة أشد تفاؤلًا، يصعب علينا الحفاظ على شعور دائم بالسعادة.
دراسات كثيرة أشارت إلى أن الأسباب الخارجية هى أهم الأسباب التى بسببها يكون الإنسان عرضة للاكتئاب. دراسة جامعة ييل فى عام ٢٠٢٠ أكدت ذلك، لافتة إلى أن الأشخاص الذين يشعرون بالضغوط الاجتماعية بسبب التوقعات غير الصحيحة يكونون أشد عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة ٣٠٪، مقارنةً بأولئك الذين يتمتعون بحياة اجتماعية مقبولة.
لا توجد وصفة سحرية للسعادة. الإبيارى يقول: «ناس قالوا لى ان السعادة للنفوس.. حاجة سموها الجنيه»، وقال أيضًا: «ناس قالوا لى ان السعادة فى الغرام»، لكن فى باقى كلمات المونولوج، يؤكد الرجل (الفيلسوف) أنه لا وصفة حقيقية، قد تكون الراحة النفسية والرضا الداخلى، قد يكون التفكير الإيجابى، قد يكون التفاؤل، قد تكون قوة العلاقات الاجتماعية، أحد أهم عوامل السعادة، مثلما ذكرت دراسة جامعة هارفارد، التى أشارت إلى أن الأشخاص الذين يحافظون على علاقات وثيقة مع الأصدقاء والعائلة يكونون أشد سعادة وأطول عمرًا.
من التعبيرات التى راجت مؤخرًا تعبير «الامتنان»، وهو إحساس يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا فى الشعور بالسعادة، ربما يُضاف إلى بقية الفضائل التى ذكرتها سابقًا. قد يكون من عوامل السعادة أيضًا الحفاظ على توازن صحى بين العمل والحياة الشخصية.
ولكنى أنحاز قليلًا إلى فضيلة أخرى، وهى مساعدة الآخرين، وهى سلوك أصفه بـ«الأنانية الإيجابية»، حيث أعتبر أن تقديم المساعدة للآخرين يمكن أن يزيد من شعور الفرد بالرضا والسعادة.
هذا الشعور يستحق أن يستثمر فيه الإنسان من وقته وماله ليحظى بذلك الشعور الإيجابى بالسعادة والرضا عن النفس. وأظن أن الإبيارى لو كان حيًّا لكنت حاولت التواصل معه لأخبره بهذه الفضيلة، لعله تكون لديه إجابة مختلفة، أو يوافقنى الانحياز.