بقلم : عبد اللطيف المناوي
مثلما ذكرت بالأمس أن المجتمع الإسرائيلى قد أُصيب بعدوى تشدد جاءته من رئيس حكومته نتنياهو، وصار التطرف فى الرأى والموقف هو سيد الموقف، أذكر وأُذكّر نفسى اليوم بأن العناد فى السودان هو أيضًا سيد الموقف.
النزاع الذى بدأ بالسودان فى إبريل ٢٠٢٣ بين قوات الجيش السودانى بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات فصيل «الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتى)، تحول إلى عناد بين الطرفين، وليس مجرد نزاع عسكرى يسقط بسببه العشرات يوميًّا. وآخر فصول العناد بين الفريقين هو رفض قوات الجيش السودانى حضور المفاوضات الجارية فى جنيف، وهى واحدة من حلقات العقد والمعضلات التى يضعها المتنازعون، والتى تهدد إمكانية تحقيق تقدم ملموس.
قائد الجيش السودانى، عبدالفتاح البرهان، أكد أن الحكومة السودانية لن تشارك فى هذه المفاوضات إلا بعد تنفيذ مقررات إعلان جدة، الذى تم التوقيع عليه فى مايو ٢٠٢٣. وهذا الإصرار يعكس تعنتًا واضحًا من مجلس السيادة السودانى، ورفضه أى محاولات جديدة قبل الالتزام بما تم الاتفاق عليه مسبقًا. ويرى مراقبون أن مفاوضات جنيف ليست إلا استمرارًا لجهود سابقة لن يتم خلالها تحقق نتائج ملموسة. ويشيرون إلى أن المحادثات، رغم الدور البارز لمصر وقطر والولايات المتحدة، قد تواجه أيضًا بالفشل بسبب عدم حضور الجيش السودانى!.
فى المقابل، تدعو تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية إلى الإسراع فى استئناف المفاوضات لتحقيق وقف شامل للأعمال العدائية وحماية المدنيين، محذرة من أن الموقف الرافض للمشاركة قد يؤدى إلى زيادة معاناة السودانيين ودخول نصف السكان فى دائرة المجاعة. من جهة أخرى، هذا الفشل المحتمل يعزز من مخاوف من أن تُطيل الأزمة معاناة المدنيين، وتزيد من عدد اللاجئين والنازحين، ما يفاقم الأوضاع الإنسانية.
وقد سبقت رفض ممثلى الجيش السودانى المشاركة فى مفاوضات جنيف عراقيل أخرى وضعها قادة «الدعم السريع» فى مفاوضات سابقة، وكأننا فى مباراة عناد واضحة بين فريقين، كلاهما متمسك بآرائه، وليس حتى مكتسباته!.
فى مقابل هذا، يسعى الوسطاء إلى تقديم حلول، إذ يبرز هنا دور مصر التى احتضنت- وسوف تحتضن- المباحثات والمفاوضات بين الفريقين، وربما ترحيب الوفد الحكومى السودانى بمباحثات فى القاهرة حول تنفيذ اتفاق جدة سيكون مخرجًا للأزمة الحالية.
من جديد أؤكد أن القاهرة كانت دائمًا طرفًا فاعلًا فى العلاقات السودانية، وهى بالفعل لديها الحلول كوسيط موثوق، وكبلد محورى مركزى فى المنطقة.
أظن أن السودان فى هذه المرحلة يحتاج إلى ما يسمى فى أدبياتنا الشعبية «تكبير مخ» وليس عنادًا كما نلاحظ. هذه المرحلة تحتاج إلى حلول سياسية جادة وشاملة تساعدها جهود دولية وإقليمية، وقبل كل هذا إرادة حقيقية من جميع الأطراف السودانية للتوصل إلى تسوية سلمية دائمة.