بقلم : عبد اللطيف المناوي
رحل بشار الأسد من حكم سوريا إلى الأبد. والأبد هى الكلمة التى كان يستخدمها لوصف زمن حكمه. كان ينوى أن يحكم سوريا للأبد فعلًا، لولا ما حدث. وما حدث فعله بيده. كان أحد الأسباب، لا، بل هو الأساس وما بعده تفاصيل، بشار هزم نفسه منذ أن استأثر بالحكم وحده بلا ناصح أو عاقل أو شريك. هزم نفسه منذ أن نظر إلى السوريين كأتباع بلا رأى، مستغلًّا رغبتهم الإنسانية فى العيش بسلام وأمان. تعامل منذ اللحظة الأولى بتعالٍ مع شعبه، واعتبر ولاء الجيش ليس محل شك، اعتبره فى «جيبه الصغير»، ولم تنقذه زيادة رواتبه منذ أيام. استخدم حلفاءه وقواته فى قمع المعارضة، وقدم للناس «تفلسفًا» بدلًا من أن يعطيهم أمانًا بالمشاركة.
فى ٢٠١١ هو مَن وضع نفسه ونظامه فى مأزق عندما «استكبر» أن يعترف بالخطأ، فأقام حاجزًا ظل قائمًا، وعبر عن نفسه بذلك الاحتفاء الكبير من السوريين للفصائل المسلحة واستقبالهم باعتبارهم المخلصين. دخلوا دون مقاومة، بل بترحيب. لا أذكر نظامًا أو زعيمًا أو قائدًا ألقى به شعبه كما حدث الأيام الماضية.
قلت فى أول الأمر إننا سنحاول فهم ما يحدث فى سوريا قبل أن ينتهى الأمر. لكن الأمر انتهى قبل أن نفهم تمامًا.
قال فواز جرجس، وهو عالِم بارز فى شؤون الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد: «ما نشهده ليس فقط التقدم السريع والمذهل للمعارضة، بل الانهيار المفاجئ للجيش السورى، الذى بات بلا قيادة ويعانى الجوع». وهو قول دقيق.
بشار هزم نفسه عندما لجأ إلى روسيا، وارتمى فى أحضانها لتنجده من مصير كان وشيكًا فى فترة من الفترات. لم يتعلم من أبيه كيف يمارس السياسة دون أن يخسر مساحات المناورة، فعل ما رفض الأب فعله لزمن طويل عندما أقام علاقات مصالح مع إيران والاتحاد السوفيتى دون أن يتحول تابعًا لهما. وهذا ما فعله الابن. وعندما سألوا مسؤولين روسيين: لماذا لم تساعدوه؟، أجابوا، وهم على حق: كيف نساعده وقد تركته قواته وفرت من الميدان؟!.
بشار هزم نفسه عندما لم يتعلم من دروس دول أخرى فى المنطقة حافظت على مؤسساتها ووحدتها، فعمل على الانقسام لكى ينقذ نفسه وعائلته.