بقلم : عبد اللطيف المناوي
علاقتى بالمصريين المسيحيين بدأت منذ فترة طويلة. اعتادت بعض المدارس على أيامنا أن يجمعوا الأقباط فى فصل واحد لأسباب خاصة بحصة الدين. وكان يُستكمل العدد بتلاميذ مسلمين ليكتمل عدد التلاميذ فى الفصل.
وكنت محظوظًا أن أكون من بين العدد المُكمِّل لأسباب أدركتها فيما بعد ترتبط بالوعى والفهم والإدراك لطبيعة مجتمعنا بشكل صحى. بالتأكيد لم أكن أعى ذلك بالطريقة التى أعبر عنها الآن لكن كانت هذه هى النتيجة.
إن أكثر أيامى المدرسية سعادة، والتى تفتحت فيها مداركى، أيام كنت فى فصل (ثالثة/ ثالث) فى المدرسة الثانوية العسكرية بدمياط، وكان الفصل المخصص للتلاميذ مختلفى الديانة أصحاب الهوية الواحدة، وكنت- كما قلت- مكملًا للعدد الطبيعى اللازم للدراسة.
أظن أن تلك النشأة هى من بين الأسباب الرئيسة التى جعلتنى مهتمًا بالشأن المصرى القبطى، فكان كتابى الأول عن «الأقباط.. الكنيسة أم الوطن؟» وكتاب ثانٍ بالإنجليزية وهو «The Copts: An Investigation Into the Rift Between Muslims and Copts in Egypt».
يبدو الأمر كالكلام الدعائى عندما أقول إننى لم ينتبنى يومًا شعور بالاختلاف، ولكن لأنه صادر عن شخص له مثل هذه الخلفية فإن له معنى.
من بين ما أذكر، وأنا فى الجامعة هذه المرة، وبعد سنوات أربع من الدراسة، وفى يومنا الأخير نودع بعضنا البعض، عرفت بالصدفة أن زميلًا لى مسيحى، رغم أنه درس معى فى السنوات الأربع كاملة. نعم، كان اسمه محايدًا، ولكننى أذكر جيدًا أننا لم نسعَ يومًا للسؤال، لأن إجابته لم تكن تعنى لنا شيئًا.
تذكرت هذه الذكريات وأنا أتابع الجدل والنقاش، ولا بأس ببعض «التنكيت» ما إن تم الإعلان عن تعيين الدكتور نظير عياد مفتيًا جديدًا للبلاد. منصات التواصل الاجتماعى التقطت الخبر سريعًا، وأصبح هاشتاج «#المفتى_الجديد» يتصدر قائمة «التريند» فى مصر بسبب الاسم، الذى بدا لدى البعض نادرًا وغريبًا، خصوصًا فى الأوساط الدينية الإسلامية. وعبَّر رواد هذه المنصات عن غرابة الاسم على أسماعهم. ومن بين ما توقفت أمامه أن كثيرًا من التعليقات ربطت بين اسم المفتى والبابا شنودة، الذى اعتبرته صديقًا، رحمه الله، والذى كان يحمل اسم نظير جيد قبل الرهبنة.
رد المفتى الجديد، وهو رقم 20 فى تاريخ دار الإفتاء المصرية منذ 1859، على الجدل الذى أثير حول اسمه، بقوله إن اسمه نظير محمد عياد، والداه هما من اختارا اسمه، للتأكيد على عدم وجود فارق بين المصريين. وأنه يشير إلى الأخوة وعدم التفرقة بين طرفى الأمة.
مقطع ظهرت فيه والدة المفتى الجديد عقب قرار تعيينه، تقول فيه: «ربنا يجعلها رحلة الخير عليك يا ولدى». وهى دعوة أم مصرية، تسمعها من مسيحية أو مسلمة، تسمعها من أم تعيش فى بلد ذى هوية واحدة، تتعدد فى نسيجه العقائد والأديان.
فلا غرابة فى مصر أن يكون اسم البابا «نظير جيد»، ويكون اسم المفتى «نظير عياد».