بقلم : عبد اللطيف المناوي
فى صراع الشرق الأوسط المستمر، تتجلى الأطماع الإسرائيلية تحت قيادة بنيامين نتنياهو كأحد أبرز الملامح التى تعيد تشكيل ملامح المنطقة. تصريحاته الأخيرة حول «تغيير الشرق الأوسط» تمثل إقرارًا صريحًا بمساعٍ لا تهدف فقط إلى تثبيت السيادة الإسرائيلية، بل إلى رسم خريطة جديدة، يُقصى فيها الآخر ويُهمش حقوقه.
خطة نتنياهو لتوسيع المستوطنات فى الجولان السورى المحتل ليست سوى جزء من استراتيجية أوسع لتثبيت واقع احتلالى، فالجولان، الذى يُعد جزءًا لا يتجزأ من الأراضى السورية، يخضع لسياسات تهويدية تتجاهل القرارات الدولية وتنتهك أبسط مبادئ القانون الدولى.
وفى مشهد مسرحى يتقنه نتنياهو، وقف على قمة جبل الشيخ ليعلن أن هذه الأراضى «ستبقى بيد إسرائيل إلى الأبد»، معززًا صورة «القائد المنتصر». لكن خلف هذه الصورة يكمن استغلال واضح للوضع الإقليمى المضطرب فى سوريا، حيث الحرب الأهلية التى أنهكت الدولة ومزقت بنيتها السياسية والاجتماعية، مما تركها عرضة للتدخلات الإسرائيلية المباشرة وغير المباشرة.
على الجانب الآخر من المشهد، يبرز الوضع الإنسانى فى غزة كمأساة تفضح الوجه الحقيقى للسياسات الإسرائيلية. تقارير حقوقية عديدة، بما فى ذلك تقرير «هيومن رايتس ووتش»، وثّقت قيودًا متعمدة على وصول الفلسطينيين إلى المياه والموارد الأساسية، مما يرقى إلى وصفه بـ«الإبادة الجماعية».
هذه السياسات، المتمثلة فى فرض حصار خانق وحرمان المدنيين من الكهرباء والماء والغذاء، تسعى إلى سحق روح المقاومة الفلسطينية وتفتيت المجتمع. فى الوقت ذاته، يُقدَّم هذا الظلم على أنه «دفاع مشروع» عن إسرائيل، مما يعكس ازدواجية خطابية تستغل ضعف المجتمع الدولى ومصالحه المتشابكة.
منذ أحداث ٧ أكتوبر العام الماضى، يسعى نتنياهو لإعادة تقديم نفسه كقائد قوى قادر على قلب المعادلة. وهنا تأتى زيارته للجولان وجبل الشيخ كجزء من هذه الاستراتيجية. لكن هذا العرض، الذى يهدف إلى استعادة ثقة الداخل الإسرائيلى وطمس مشاهد الكارثة، لا يمكن فصله عن محاولاته المستمرة لتجنب المساءلة عن قضايا الفساد التى تلاحقه.
نتنياهو يختار أماكن مثل جبل الشيخ لتصوير «النصر»، متجنبًا مواقع مثل كيبوتس نير عوز، التى تُذكر بفشله فى حماية الإسرائيليين. إنه يهرب من الأماكن التى تسلط الضوء على مسؤولياته، ليظهر فقط فى المشاهد التى يمكن أن تعزز صورته كزعيم مُهاب. ويستغل حالة التفكك الإقليمى لترسيخ السيطرة على أراضٍ جديدة دون خوف من مقاومة حقيقية أو ضغط دولى جاد.
تُظهر تصريحات نتنياهو بوضوح رغبته فى بناء شرق أوسط جديد، تهيمن فيه إسرائيل سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا. وبينما يسعى لترسيخ هذا المشروع، يستمر فى انتهاك حقوق الفلسطينيين والسوريين، متجاهلًا دعوات السلام والعدالة.
لا يمكن قراءة تحركات نتنياهو بمعزل عن واقع أوسع يُملى فيه القوى شروطه على الضعيف. لكن كما علمنا التاريخ، فإن الشعوب التى تُقهر قد تصمت لفترة، لكنها لا تموت. أو هكذا نتمنى.