بقلم : عبد اللطيف المناوي
«عزيزى القارئ اسمح لى أقدم لك نفسى، اسمى حنظلة.
اسم أبوى: مش ضرورى.
أمى اسمها نكبة،
وأختى اسمها فاطمة.
نمرة رجلى: ما بعرف لإنى دايمًا حافى.
جنسيتى: أنا مش فلسطينى مش كويتى مش لبنانى مش مصرى. محسوبك إنسان عربى وبس.
التقيت صدفة الرسام ناجى، كاره شغله لأنه مش عارف يرسم، وشرح لى السبب: «كل ما بيرسم يا بيحتج زعيم يا وزارة يا سفارة»، وقال لى: «ناوى يشوف شغله غير ها الشغلة».
بعد ما طيبت خاطره وعرفته عن نفسى قلت له إنى مستعد أرسم عنه الكاريكاتير كل يوم، وفهّمته أنى «ما بخاف من حدا غير الله واللى بده يزعل يروح يبلط البحر».
إلى هنا انتهى التعريف الذى قدمه «حنظلة» عن نفسه للقراء العرب فى أول مرة أطل فيها على صفحات الصحف. و«حنظلة» شخصية ابتكرها رسام الكاريكاتير الفلسطينى ناجى العلى، الذى اغتيل عن عمر يناهز 51 عامًا فى 29 أغسطس 1987.
انتقد ناجى العلى برسوماته الكاريكاتورية الساخرة، الانحراف لدى الأنظمة العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وابتدع شخصية «حنظلة» ليكون شاهدًا على ذلك، وجعله توقيعًا دائمًا فى كل رسوماته، ليكون ثورة داخل الثورة.
«حنظلة» صورة طفل حافى القدمين رث الملابس، فى العاشرة من عمره، رسمه ناجى على صورته وقتما هاجر طفلًا مع أسرته من قريته (الشجرة) شمال فلسطين إلى لبنان، وُلد- كما يقول ناجى- يوم النكسة عام 1967، وظهر فى رسوماته عام 1969 بشكله الطبيعى ووجهه للأمام، ولكن بعد حرب أكتوبر عام 1973 أدار ناجى ظهر «حنظلة» للناس، وكتّف يديه خلفه احتجاجًا على الواقع الفلسطينى والعربى.
ابتكر ناجى العلى اسم «حنظلة» من نبات الحنظل الصحراوى المُر ليرمز إلى مرارة الواقع المأساوى فى مخيمات اللجوء، وجعله ينتمى نضاليًّا إلى الشعب الفلسطينى كله دون أن ينتمى لفصيل معين.
ظل «حنظلة» يدير ظهره احتجاجًا على حالة الترف التى بدت على بعض قادة الثورة فى فلسطين، ورسم الفاسدين فى صورة رجال همهم ملء بطونهم وقضاء لذاتهم وإنجاز مصالحهم.
عاد «حنظلة» إلى الظهور بقوة منذ بدء الحرب على غزة، ظهر فى المظاهرات، على اللافتات وعلى الجدران. ومؤخرًا ظهر على اسم سفينة، من تحالف أسطول الحرية، تحاول كسر الحصار الإسرائيلى المفروض على غزة منذ نحو 17 عامًا.
ومن المنتظر أن تتحرك السفينة «حنظلة» باتجاه ساحل غزة وعلى متنها نحو 20 ناشطًا من عدة دول. قامت السفينة بجولة أوروبية زارت خلالها 18 ميناء لدعم مشروعها المطالب بوقف الحرب على غزة وفك الحصار. بل تحولت مهمتها من مجرد جمع الدعم إلى تحدٍّ مباشر للحصار الإسرائيلى.
وما زال «حنظلة» يدير ظهره، ويتحدى.