بقلم : عبد اللطيف المناوي
مرَّ ١٠٠٠ يوم كاملة على بدء الحرب الروسية- الأوكرانية، مرَّ ألف يوم ومازالت أغرب حرب شاهدتها أو قرأت عنها مستمرة. تلك الحرب التى بدأت بضبابية شديدة، عن الأسباب والخسائر والمكاسب، ثم امتدت آثارها لتشمل العالم كله، ولكن ظلت حالة الضبابية مستمرة، حول موعد انتهائها ومطالب كل طرف منها.
يُقال إن عدد القتلى المدنيين تجاوز ١١ ألف شخص، منهم حوالى ٦٠٠ طفل، والإصابات وصلت إلى حوالى ٢٥ ألفًا، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة الأخيرة، مع صعوبة توثيق الأرقام بشكل كامل.
هذه الصعوبة هى ما أقصده بالضبابية، البعض يرجح أن الواقع سيئ، والبعض الآخر يقول إنها ليست حربًا بالمعنى المفهوم، وبين ذاك وذلك يُقال إن هناك مدينة كمدينة ماريوبول تحولت إلى رماد، ويقال كذلك إن منشآت فى الجانبين سُويت بالأرض! لكن لا صور ولا تقارير ولا إعلان بين الجانبين.
ربما يحرص الطرفان على إبقاء أرقام خسائرهما طى الكتمان، ولكن المعروف أن الحرب لم تحصد الأرواح فقط، بل دمرت المجتمع الأوكرانى من الداخل، فقد اضطر أكثر من ٦ ملايين أوكرانى للفرار إلى أوروبا، فيما أصبح نحو ٤ ملايين نازحين داخليًا. كما تسببت الحرب فى انخفاض عدد السكان بنحو ١٠ ملايين نسمة، أى ربع سكان أوكرانيا قبل الغزو. هذا النزيف السكانى يهدد النسيج المجتمعى ويضع مستقبل البلاد على المحك، مع تراجع معدلات المواليد إلى مستويات غير مسبوقة.
يُقال أيضًا إن روسيا تحتل اليوم خُمس مساحة أوكرانيا، بما فى ذلك معظم دونباس وساحل بحر آزوف، فيما تتعرض البنية التحتية والمواقع الحيوية للقصف المستمر، ورغم محاولات أوكرانيا شن هجمات مضادة، إلا أن استعادة الأراضى المحتلة يبدو صراعًا طويل الأمد يتطلب موارد أكبر بكثير مما هو متاح حاليًا.
من الناحية الاقتصادية، تشهد أوكرانيا حالة انهيار شبه شامل، فقد انكمش الاقتصاد بنحو الثلث عام ٢٠٢٢، وعلى الرغم من محاولات الانتعاش، فإنه لايزال يمثل ٧٨٪ فقط من حجمه قبل الغزو، ووصلت تكلفة إعادة الإعمار إلى نحو ٤٨٦ مليار دولار، وهو رقم ضخم يتجاوز الناتج المحلى الإجمالى للبلاد بمراحل. بينما تشهد روسيا صعوبات اقتصادية، تبقى أيضًا طى الكتمان.
الحرب الروسية- الأوكرانية حرب غريبة حقًا، لكنها تحمل كذلك مأساة إنسانية وعسكرية واقتصادية متشابكة، وإذا استمر الصراع الغريب على هذا النحو فإن الأضرار قد تصبح مستعصية على الإصلاح. وعلى الرغم من الدعم الغربى المتواصل، إلا أن هذا الدعم وحده لن يكون كافيًا لإنقاذ البلاد.
١٠٠٠ يوم من الحرب كشفت أن الحروب ليست انتصارًا للأقوى، بل معاناة يتحملها الأبرياء. الوقت الآن ليس لصناعة البطولات، بل لإيجاد مخرج يُنهى هذا النزيف المستمر، ويعيد السلام والاستقرار للشعبين.