بقلم : عبد اللطيف المناوي
منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتى أوشكت على دخولها العام الثانى، ولاحقًا على لبنان، والمدنيون يدفعون الثمن.
وأظن أن الحادث المأساوى، الذى تعرض له عامل فلسطينى فى مدينة أريحا بالضفة الغربية المحتلة، موديًا بحياته نتيجة شظايا صاروخ إيرانى، يجسد تلك المعاناة التى يتعرض لها سكان تلك المنطقة.
تخيلوا معى أن هذا الشخص مات بشظايا صاروخ موجه ضد عدوه، إسرائيل.
العامل الفلسطينى كان فى مكان عمله عندما سقطت الشظايا من السماء، وأرْدَتْه قتيلًا، بينما كتب الجيش الإسرائيلى على منصة «إكس»: «إن جميع المدنيين الإسرائيليين كانوا موجودين فى الملاجئ، وقت إطلاق الصواريخ من إيران على إسرائيل».
تخيلوا معى أن هذا العامل مات ولا ذنب له فى ذلك إلا أنه كان فى مكان عمله، بينما أصابته شظايا صاروخ أطلق من إيران بنيّة الرد على جرائم إسرائيل فى حق حماس وحزب الله، وتحديدًا ردًّا على مقتل إسماعيل هنية، وحسن نصرالله.
تخيلوا معى أن الصواريخ الإيرانية أزهقت روح العامل الفلسطينى، الذى من المفترض أن تكون تلك الصواريخ دفاعًا عنه، بينما على الجانب الآخر أوقعت إصابتين طفيفتين فى صفوف الإسرائيليين، وفقًا لبيان خدمة الإسعاف الإسرائيلية.
القدَر فعلًا كان قاسيًا على الشاب، الذى وجد نفسه فى المكان الخاطئ فى اللحظة الخاطئة، فكم مثله فر من قطاع غزة هربًا من الحرب والموت المستمرين هناك، ليجدوا أنفسهم ضحايا لشظايا صراع آخر لا يد لهم فيه.
هذا الحادث يؤكد مدى تعقيد الصراعات فى الشرق الأوسط، حيث لا يقتصر العنف على منطقة بعينها، بل يمتد ليطال، حتى أولئك الذين يحاولون الهروب من مآسيهم اليومية، فالفلسطينى الذى كان يبحث عن الأمان فى الضفة الغربية بعد هروبه من غزة لم يكن يدرك أن الموت يمكن أن يلاحقه عبر صواريخ لا علاقة له بها، فى نزاع لا يمس حياته المباشرة، ولكنه حصد روحه فى نهاية المطاف.
وعلى الرغم من إعلان إسرائيل لاحقًا انتهاء التهديد، ودعوتها مواطنيها إلى الخروج من الملاجئ، مع دراستها المتواصلة الرد على إيران، لكن المأساة التى أصابت هذا الشاب تبقى شاهدًا على حقيقة مُرّة، أن المدنيين فى هذه المنطقة المضطربة هم الضحايا الرئيسيون للصراعات، التى تتجاوز حدودهم الجغرافية والسياسية.
الحقيقة أن الفلسطينيين صاروا غير آمنين على حياتهم بعد تهجيرهم من بلادهم، ولا أظن أن هناك حلولًا أخرى من الممكن اقتراحها إلا عودتهم من جديد والعيش بأمان، لكن هذا الأمان سيظل دائمًا على المحك بدون اتفاق شامل، يمنع الاعتداءات المتكررة من الطرف الإسرائيلى، وكذلك يمنع التدخلات الإيرانية فى المنطقة، والتى يدفع ثمنها البسطاء، الذين صاروا بحق ضحايا منسيين فى هذا الصراع.