فرنسا وإيطاليا معركة أوروبية في ليبيا

فرنسا وإيطاليا... معركة أوروبية في ليبيا

فرنسا وإيطاليا... معركة أوروبية في ليبيا

 عمان اليوم -

فرنسا وإيطاليا معركة أوروبية في ليبيا

بقلم - عبد الرحمن الراشد

يقال إن الشجرة كثيراً ما تخفي الغابة، لكن الشجرة قد تكون من غير مكونات الغابة الخفية. لما تتصارع دولتان أوروبيتان يجمعهما اتحاد على بلد صغير هو ليبيا، فهل هو النفط والغاز الليبي، أم إعادة بناء البلد الذي لحق به كثير من الدمار بسبب الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من 8 سنوات؟ بلا شك هناك كثير من نقاط الاختلاف بين السياسة الإيطالية والفرنسية في كثير من القضايا على المستوى الأوروبي، بل الدولي.
القيادة السياسية في إيطاليا التي يتولاها رأسان، هما حزب رابطة الشمال وحركة النجوم الخمس، يجمعهما المنهج الشعبوي الأصولي الوطني، ويعملان على تأسيس قوة أوروبية تتبنى المنهج نفسه، وحليفهما الأول «الجبهة الوطنية» الفرنسية اليمينية المتطرفة، بقيادة مارلين لوبان. وهناك تيارات أوروبية في غرب القارة وشرقها تتبنى المنهج الشعبوي نفسه، لكنها أقل قوة مما هو في فرنسا وإيطاليا. الهجوم على «الآخر» من أساسيات العمل التعبوي للتيارات المتشددة على أساس وطني.
الخلاف المتصاعد بين فرنسا وإيطاليا سياسياً لا بد أن يُقرأ على ضوء ذلك. ففي هجوم شنّه لويدجي دي مايو، نائب رئيس الوزراء ووزير العمل الإيطالي، وهو أيضاً الزعيم السياسي لحركة النجوم الخمس الشعبوية، على فرنسا، اتهمها فيه بالتدخل في ليبيا، ضمن ما سمَّاه سياستها الاستعمارية في القارة الأفريقية، وكال لها الاتهامات باستغلال ثروات أفريقيا. وانضم إليه سالفيني نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، زعيم رابطة الشمال. كل ذلك يدخل في خضم الصراع السياسي الآيديولوجي بين فرنسا وإيطاليا. الحزبان الحاكمان في روما يعارضان بشدة تفرد فرنسا وألمانيا بقيادة الاتحاد الأوروبي، وهيمنتهما على القارة عبر الاتحاد.
ليبيا ورقة في ملف كبير، يحمل تفاصيل خلاف، بل صراع بين تيارين سياسيين، بل فكريين تعيشهما القارة العجوز. في يوم 22 من هذا الشهر وقّعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون معاهدة ثنائية بين بلديهما تحت عنوان «معاهدة التعاون والتكامل الفرنسية الألمانية»، تحمل كثيراً من المؤشرات التي تعبر عن ملامح أوروبا جديدة. تأتي هذه الخطوة استكمالاً لمعاهدة الإليزيه الموقعة سنة 1963 بين الجنرال ديغول والمستشار أديناور، التي أسست لعلاقة جديدة بين البلدين بعد الحرب العالمية الثانية. المعاهدة الجديدة بين البلدين، تؤسس لاتحاد داخل الاتحاد الأوروبي، وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تجد إيطاليا نفسها شبه معزولة أو قوة من الدرجة الثانية داخل الكيان الأوروبي.
اللغة التي تحدث بها الوزيران الإيطاليان ضد فرنسا، والتي لم تحمل الطعم الدبلوماسي المعتاد في التخاطب بين الساسة الأوروبيين، والتي وصلت إلى حد إعلان وزير الداخلية ماثيو سالفيني أمله أن يرى فرنسا دون الرئيس ماكرون وحكومته، تكشف حجم الانفعال السياسي الإيطالي، رغم محاولة رئيس الوزراء الإيطالي ووزير خارجيته التخفيف من حدة التوتر بين الدولتين. رئيس الجمهورية ماتاريلا ردّ بقوة على تصريحات الوزيرين، وعبّر عن الارتباط القوي بين فرنسا وإيطاليا.
كال السياسيّان الإيطاليان أكثر من تهمة لفرنسا، بالقول إنها أفقرت الدول الأفريقية، وإنها تسيطر على اقتصاد أكثر من 14 دولة أفريقية، ولولا تلك السيطرة لكانت فرنسا من الدول المتأخرة اقتصادياً وتتحمل المسؤولية الكاملة في مأساة هروب الأفارقة من بلدانهم التي أفقرتها فرنسا، وإنها لا تبالي بمعاناة المهاجرين الأفارقة، وتساهم في عبورهم للصحراء والبحر الأبيض المتوسط. ولم يفت وزير الداخلية الإيطالي أن يشير إلى رفض فرنسا تسليم عدد من المجرمين الإيطاليين الهاربين إلى فرنسا.
أما الحديث عن الصراع بين الطرفين حول الثروة النفطية الليبية، فإنه لا يطابق الواقع، حيث إن الشركات العالمية تحصل على امتيازات الاستكشاف والاستثمار في ليبيا، وفق معايير معلنة، وفي عروض لها ضوابط دقيقة. الشركات الإيطالية، وفي مقدمتها «إيني»، تعمل في ليبيا منذ زمن، وخاصة في مجال الغاز، وكذلك شركة «توتال» الفرنسية، وهناك استثمار كبير لشركة «ريبسول» الإسبانية، وغيرها من الشركات، مع ملاحظة أن حجم الإنتاج الليبي من النفط لا يشكل كميات كبيرة تستدعي صداماً بين حليفين أوروبيين.
أوروبا في حالة سيولة سياسية حقيقية. التيار الشعبوي اليميني ينمو في بلدان كثيرة من القارة. والانتخابات البرلمانية الأوروبية التي ستجري في مايو (أيار) المقبل ستكون المؤشر الأهم على مستقبل الخريطة السياسية المقبلة. لم يتردد كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن الإشارة صراحةً إلى ما تشهده أوروبا من اتساع لمساحة التشدد الشعبوي اليميني في القارة، وربما حرص الرئيس الفرنسي على إنجاز المعاهدة مع ألمانيا قبل مغادرة أنجيلا ميركل رئاسة الحكومة الألمانية.
منذ نمو الحركات اليمينية الشعبوية في أوروبا، وتأثير التوجه الأميركي الجديد تحت رئاسة دونالد ترمب وطرحه مفاهيم جديدة للتحالف القديم بين أوروبا والولايات المتحدة، ارتفعت في أوروبا أصوات جديدة عبّرت عن تغيرات، من الصعب قراءة أبعادها على المدى المتوسط والبعيد. بروز الصين قوةً اقتصاديةً وسياسيةً فاعلةً، و«نمراً عسكرياً» تحسب له حسابات استراتيجية، وضع مفهوم العولمة أمام أسئلة جديدة. أفريقيا القارة الغنية بالثروات، والخزان البشري الذي يزداد فقراً، ويدفع بمزيد من المشكلات ذات البعد العالمي من الهجرة غير القانونية، واتساع وتمدد حركات العنف المتطرفة، تجسد ناقوساً حقيقياً لم يجد الاهتمام العالمي الجادّ. لقد بادرت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، بتقديم «مشروع مارشال» لإعادة بناء أوروبا المدمرة، ما ساهم في تحقيق السلام الدولي. لا مندوحة من وضع مشروع دولي كبير تساهم فيه أوروبا، والولايات المتحدة، والصين، واليابان، والدول العربية، لتحقيق تنمية في أفريقيا، وتكريس الحكم الرشيد بها.
دول الساحل والصحراء تضررت بقوة جراء التغير المناخي الذي يشهده العالم، ما سبّب كوارث حقيقة أدت إلى ضرر بالغ بالزراعة والرعي، ما دفع آلاف الشباب إلى الهجرة والانضمام إلى حركات التطرف بحثاً عن لقمة الحياة. ليبيا اليوم مسرح لحرب أهلية معقدة، يحمل فيها أهلها السلاح الذي يتدفق من أكثر من صوب، ويتحارب فيها التاريخ والجغرافيا والأطماع الخارجية أيضاً.
عندما يتحدث أي طرف أوروبي اليوم عن حقبة الاستعمار، نقول له من كان منكم بلا خطيئة فليرمِ خصمه بألف حجر.

 

omantoday

GMT 06:26 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

صوت «المشتركة» في ميزان إسرائيل الثالثة

GMT 06:21 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

إضراب المعلمين وسياسة تقطيع الوقت لمصلحة من ؟

GMT 06:18 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

خمسة دروس أردنية من الانتخابات التونسية

GMT 06:15 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

البعد الطائفي في استهداف المصافي السعودية

GMT 06:12 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

وادي السيليكون في صعدة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا وإيطاليا معركة أوروبية في ليبيا فرنسا وإيطاليا معركة أوروبية في ليبيا



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد

GMT 21:16 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab