أردوغان في الكرملين

أردوغان في الكرملين

أردوغان في الكرملين

 عمان اليوم -

أردوغان في الكرملين

بقلم : عبد الرحمن الراشد

كان عسيًرا على البعض أن يتقبل مصافحة الرئيس الطيب رجب إردوغان لخصمه الرئيس فلاديمير بوتين، وأن تتصالح تركيا مع روسيا وأن تحيل طلبها للتطبيع مع إسرائيل على البرلمان لإقراره، ولهذا السبب انتقدوه. الأمر صعب فقط على الذين لا يفرقون بين الديانة والسياسة، فالدول تحكم علاقاتها ببعضها قواعد أخلاقية مختلفة عن البشر، حيث تعلو فيها المصالح على المبادئ.

ولا بد أن الرئيس التركي رأى حاجة بلاده للتقارب مع روسيا وغيرها بعد أن تردت العلاقة وصار الوضع خطيًرا. فقد أصبح الأكراد الأتراك الانفصاليون يهددون سلامة تركيا ووحدتها، ومزيد من اللاجئين السوريين على بوابات حدودها، ونجح تنظيم داعش في الوصول إلى قلب أنقرة وإسطنبول. ومؤخرا، هزت محاولة انقلابية أركان البلاد. اقتصاديا، روسيا تؤثر على سوق تركيا، فمنذ أن قاطع أربعة ملايين سائح روسي، عادة يأتون كل عام، صارت المرافق السياحية التركية خاوية، ويشكلون ثاني أكبر مصدر للسياحة، إضافة إلى انقطاع سياح إيران، وعددهم مليون ونصف سنوًيا، وفقدت الليرة التركية جزًءا من قيمتها.

هذه من الدوافع التي جعلت الحكومة التركية تتجه نحو موسكو، وليس صحيًحا أن الزيارة سببها محاولة الانقلاب، ولا هي ردة فعل متعجلة من أنقرة، بل جزء من ترتيبات بدأت قبل ذلك، عندما أعلن رئيس الوزراء الجديد أن الحكومة تنوي إنهاء خلافاتها مع كل الدول، بما فيها اليونان وروسيا وإسرائيل وإيران. أيًضا، ليس معقولاً ما قيل إن أنقرة اضطرت للتصالح مع موسكو خوًفا من اعتداء روسي محتمل، فتركيا دولة عضو في حلف الناتو العسكري الذي يتعهد بالدفاع المشترك بين الدول الأعضاء من أي عدوان عليها.

ولا يمكن إغفال الاعتبارات الاستراتيجية للدولة التركية التي تطمح لأن تصبح ممر الغاز الروسي إلى أوروبا، وكان على قائمة محادثات الرئيسين في موسكو، واتفقا على نصف المشروع، ممر واحد. مع أني أستبعد مد أنابيب الغاز الروسية إلى أوروبا في المرحلة الحالية، نظًرا لأنه سيكون بديلاً وسيكسر الحصار الغربي المفروض على الغاز الروسي الممنوع من النقل عبر الأراضي الأوكرانية. وفي حال زاد التوتر بين الروس والأميركيين فإن مصالح تركيا مع الغرب أكبر بكثير من مصالحها مع روسيا.

التفسير المعقول الوحيد للتقارب مع خصومه، أن إردوغان يريد تعزيز موقعه التفاوضي، وتقليل مخاطر صراعات الدولية والإقليمية على بلاده. ولا بد أنه يأمل في حل سلمي في سوريا يتم تنفيذه لاحًقا، والأرجح بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث من المستبعد أن يغير الرئيس الأميركي الحالي موقفه. ما سبق عددُته أسبابا كثيرة تبرر التقارب التركي مع عدد من خصومها من منظور العلاقات الدولية.

وبالعودة إلى إشكالية التوفيق بين المواقف التركية المتناقضة، مثل مواجهة تركيا لروسيا في سوريا وتوقيع اتفاقيات التعاون معها في الكرملين، فإن هذه طبيعة العمل السياسي. قد لا يفهمها من يعتبر السياسة عقيدة، يحلل فيها ويحرم. إردوغان يريد تقليص المسافة مع الروس، وإن لم يفلح معهم في سوريا فإنه على الأقل يخدم تركيا في مجالات أخرى. وهذا ينطبق على إعادة الاتصالات والتطبيع مع إسرائيل، وتعزيز العلاقة مع إيران التي كانت أكثر حماًسا للاستجابة للرسائل التركية. ووفق هذا المفهوم يفترض أن نقيس بقية العلاقات الثنائية بين دول المنطقة، رغم العداوات والثارات. ما فعله إردوغان سبقه إليه زعماء المنطقة، في المبررات المنطقية نفسها لخدمة مصالح دولهم.

أما الذين اضطربت قدرتهم على فهم التطورات الأخيرة فلأنهم رسموا في مخيلتهم تركيا المثالية، خارج قواعد العمل الدبلوماسي ومصالح الدول. تركيا، باعتبارها دولة إقليمية كبرى، لها مصالحها وعندها مخاوفها، وما فعله إردوغان من تصالحات مع روسيا وإيران وإسرائيل ينم عن شجاعة سياسية رغم حرصه على صورته وشعبيته عند الشارع التركي والعربي. وما تجرأ على فعله إردوغان يفترض أن تمارسه دولنا، لأنه طبيعي جًدا أن تقوم لنا علاقات مع الأعداء وتوقع معهم اتفاقيات عندما تفرضها الضرورات أو المصالح العليا، خصوصا الآن حيث نعايش مرحلة تبدلات متعددة.

أخيًرا هل سيؤثر التقارب التركي الروسي الإيراني على مستقبل الحل القريب في سوريا؟ أستبعد ذلك، لأن الوضع على الأرض لم يعد تحت سيطرتهم

omantoday

GMT 10:00 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

استهداف الحوثيين والإيرانيين في البحر

GMT 18:55 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

المساومة على رفح؟

GMT 00:43 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

هل حرب إيران وإسرائيل وشيكة؟

GMT 00:00 2024 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

هل هي طبول «الربيع العربي»؟

GMT 16:25 2024 الجمعة ,15 آذار/ مارس

هل تعيد غزة التفاوض الأميركي الإيراني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أردوغان في الكرملين أردوغان في الكرملين



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab