تداركوهم قبل لبس الأحزمة

تداركوهم قبل لبس الأحزمة

تداركوهم قبل لبس الأحزمة

 عمان اليوم -

تداركوهم قبل لبس الأحزمة

بقلم : عبد الرحمن الراشد

الذي جرى في أوروبا جرائم كثيرة، إنما الفاعل واحد. منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى اليوم، شاهدنا سلسلة من الجرائم. في ذلك الشهر قتل الإرهابيون 130 شخًصا، الأكثر دموية في تاريخ العاصمة الفرنسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. بدت باريس ساحة حرب، الدماء من ملعب كرة، إلى قاعة احتفالات، وحي مكتظ بالمطاعم. بعدها، هاجموا بروكسل، قتلوا أكثر من ثلاثين شخًصا وجرحوا ثلاثمائة، رقم دموي تاريخي لعاصمة بلجيكا. تكررت الهجمات وكان أبشعها، وأكثرها إشاعة للرعب بين ملايين الناس، المسلح الذي قاد شاحنة ودهس 84 شخًصا وجرح مئات الناس العائدين من احتفالاتهم في مدينة نيس. وفي هذا الشهر أيًضا انتقل الهجوم إلى ألمانيا، حيث جرت خمس عمليات إرهابية، بينها طعن امرأة حامل، وقتل ركاب
في قطار. ثم عاد الرعب إلى نورماندي الفرنسية بذبح كاهن في كنيسته.

جرائم في منتهى الدناءة، والدول التي اختيرت أهدافا للمتطرفين صديقة وقريبة منا. فرنسا الدولة التي وقفت أكثر من غيرها سياسيا مع الشعب السوري ضد نظام الأسد، وساندت الدول العربية ضد إيران. وكذلك ألمانيا البلد الذي استقبل بالأحضان والبطانيات مليون لاجئ، تقريًبا كلهم مسلمون!

لن ينطفئ الغضب بنهاية بث الأخبار، بل يؤسس لمزيد من الأزمات السياسية، داخلية وخارجية. أيًضا، لن يبالي أحد بالأعذار الواهية التبريرية التي يطرحهاَبعُضنا، لماذا يتجاهل الغرب هوية أو ديانة فاعل واحد؟ نحن أمام حرب إرهاب واسعة، بتوقيع فريق واحد، يحمل لواء الإسلام. وبدلاً من أن نتعلق بتفسير جريمة فردية هنا أو هناك يفترض أن نقف مع هذه المجتمعات المجروحة، فنحن شركاء فرنسا وألمانيا وبلجيكا في مآسيها، نحن نعاني من الجماعة نفسها، وعلينا أن نلاحق معهم أولاً المتسببين، دعاة التطّرف والمحامين عنه.

كما يجب أن نتجاوز مرحلة الإنكار والتفتيش عن الأعذار. فقد سئم العالم من التبريرات التي تساهم فقط في التستر على الفاعلين.

ففي البداية برروا للإرهاب بالفقر، وقيل لهم زعيمكم أسامة بن لادن مليونير. ثم تحججوا بالجهل ونقص التعليم، حتى قيل لهم في صفوف الجماعات الإرهابية أساتذة ومهندسون، وزعيمهم أيمن الظواهري طبيب.

ثم لاموا الاضطهاد السياسي في مناطقهم، ووجدنا بينهم قيادات مثل العولقي جاءت من دول حرة مثل لولايات المتحدة. وحاولوا ربط الإرهاب باحتلال إسرائيل لفلسطين، ولم يصدقهم أحد لأن «القاعدة» و«داعش» و«جبهة النصرة» لم تنجز عملية واحدة في إسرائيل. ربطوا الإرهاب بالأميركيين في العراق، قيل لهم «القاعدة» بدأت بسبع سنوات قبل الغزو واستمرت ست سنوات بعد خروجهم.

والآن يبررون لإرهابهم في أوروبا بدعوى العنصرية والمعاملة، لكننا نرى ملايين المسلمين يريدون الذهاب إلى أوروبا هرًبا من أوضاع بلدانهم المزرية، ويتناسون أن معظم من يكتوي بالإرهاب بلدان إسلامية. سلسلة طويلة من تاريخ الإنكار لم تعد مقنعة، ولا بد من مواجهة السبب والنتيجة، الفكر المؤدي للإرهاب.

الذي نفذ جريمة ذبح القس، عمره 19 عاًما، ومعظم الإرهابيين مثله في سن مبكرة، أي كانوا أطفالاً زمن أحداث سبتمبر (أيلول) عام 2001، وبالتالي هؤلاء ليسوا من جيل أشرطة فيديو بن لادن، بل جيل «تويتر» و«فيسبوك». اختلفت الوسائل وبقي السبب، كلا الجيلين من إنتاج الفكر المتطرف نفسه، الذي يؤهلهم لاحًقا لشروط التوظيف عند «القاعدة» في اليمن، أو «داعش» في العراق، أو «جبهة النصرة» في سوريا، أو ربما ضابط مخابرات إيراني في مكان ما. كلها مجرد عناوين إلكترونية تتولى تكليف العقول المغسولة بالتفجير في عناوين حقيقية. وبالتالي، الذين يقومون بغسل عقول الأطفال والشباب مسؤولون مسؤولية أكبر من الذين يكلفونهم بالمهمة الأخيرة.

بعض دعاة التطّرف ربما لا يفهمون ماذا فعلوا ببلدانهم وأهاليهم وبالعالم. هم يزرعون في الشباب مفاهيم من الغلو والتطرف، الصح والخطأ، الحلال والحرام، ثم يأتي بعدهم من يستخدمهم. تقريًبا كل الذين تورطوا في تنفيذ عمليات التحقوا بتنظيمات إرهابية فقط بعد أن أصبحوا جاهزين فكرًيا، ولم يدرسوا التطّرف عند «داعش». يسجل في صفوفه الجاهز الذي تم تحريضه. قيادة «داعش» في الرقة هي المحطة الأخيرة، تحدد لهم الدول والأهداف على الخريطة فقط. هذا على افتراض أن المراسلين الإلكترونيين حًقا من «داعش» أو «القاعدة»، لكن لا أحد يدري من الذي يبعث بالرسالة إن كان فعلاً من الرقة أو طهران أو غيرها.

صراحة هذا لا يهم لأن الجريمة تكون قد بلغت آخر مراحلها، فقط عندما يتوقف دعاة التحريض والتكفير والجهاد، أو يتم إيقافهم، لن يجد المجندون الإلكترونيون من يلبس حزاًما ناسًفا بعد اليوم

omantoday

GMT 10:00 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

استهداف الحوثيين والإيرانيين في البحر

GMT 18:55 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

المساومة على رفح؟

GMT 00:43 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

هل حرب إيران وإسرائيل وشيكة؟

GMT 00:00 2024 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

هل هي طبول «الربيع العربي»؟

GMT 16:25 2024 الجمعة ,15 آذار/ مارس

هل تعيد غزة التفاوض الأميركي الإيراني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تداركوهم قبل لبس الأحزمة تداركوهم قبل لبس الأحزمة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab