«داعش» ومعركة الاسم

«داعش» ومعركة الاسم

«داعش» ومعركة الاسم

 عمان اليوم -

«داعش» ومعركة الاسم

عبد الرحمن الراشد

صار العديد من الحكومات تحث وسائل الإعلام على تجنب استخدام مصطلح «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، الاسم الذي أطلقه التنظيم الإرهابي على نفسه منذ سنتين، بعد أن أعلن زعيمه نفسه خليفة، وتوسيع نفوذه من الاسم السابق «دولة العراق الإسلامية»، ليضم سوريا إليه.

وعندما أعلن التنظيم في أبريل (نيسان) عام 2013 عن إطلاق اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» على نفسه، قرر الإعلام، وفي قناة «العربية» تحديدًا، أن نسميه «داعش». كنا ندرك أن التنظيم يريد أن يستخدمنا، أي منصات الإعلام في أنحاء العالم، لبناء صورة تخدم أغراضه. وقد جاءت الاعتراضات حينها من أناس غررت بهم أدبيات الإرهابيين حينها، احتجوا على التسمية والتغطية لأنها مهينة للمدافعين عن الإسلام ضد المحتل الغربي، أو السنة المضطهدين، أو الدفاع عن عرب الأنبار، أو هم الثوار ضد نظام الأسد في سوريا. وفعلاً، هناك نشاطات مشتركة كانت تشوش على فهم الكثيرين، إنما أغلبهم اكتشف لاحقًا أن «داعش» ليس إلا تنظيم القاعدة الشرير، حتى لو تبنى قضايا حقة.

و«داعش» ليست تسمية ساخرة، كما قيل وكتب في وسائل الإعلام الغربية، بل تمثل حروف التنظيم الأولى التي تختصره. وبالطبع التسمية المختصرة لا ترضي التنظيم، لأنه عن عمد يريد أن يجعل اسمه «الدولة الإسلامية في العراق والشام» عنوانًا بريديًا للمسلمين في كل مكان، هذه هويته وهذه أرضه ومشروعه وهو من يمثلهم! حتى إن التنظيم مرة قام بجلد أحد الأطفال في الأنبار لأنه تجرأ على تسميته بـ«داعش» التي اعتبرها إهانة له، ونشر الفيديو عبرة لمن هم خاضعون لحكمه.

ومعركة التسميات قديمة مع المتطرفين. قبل أربعة عشر قرنًا حارب المسلمون الأوائل تنظيمًا مثل «داعش» تمامًا، يكفر المسلمين ويعلن الخروج على الدولة، سمى نفسه بـ«جماعة المؤمنين»، إلا أن المسلمين سموه بـ«الخوارج». التاريخ يعيد نفسه، ونحن نواجه مشكلة فكرية لا يمكن الاكتفاء بمحاربتها بالسلاح، بل بالفكر، ومن ذلك تحديه اسمًا وموضوعًا. وقد انساقت وسائل إعلام عربية وأجنبية وراء التسمية، تكررها في نسبة الجرائم البشعة لـ«تنظيم الدولة الإسلامية»، وليست التسمية عملاً خاطئًا بقدر ما هي غير ضرورية، في ظل وجود تسميات صحيحة ومهنية، وتجنب المسلمين الأذى المزدوج؛ الأول في الدول الإسلامية حيث يكسب التنظيم من اسمه تحريض شباب المسلمين للانخراط في صفوفه، والثاني في المجتمعات الأخرى، بتحريض غير المسلمين ضد المسلمين في مجتمعاتهم التي يشتركون في العيش معهم فيها، مثل أوروبا وروسيا والصين والهند، وتحقيق تقسيم العالم وفق رؤية بن لادن، حين سماه بـ«الفسطاطين».

وكانت الحكومة الفرنسية أول من حذّر من استخدام الاسم، «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وأن خطر الاسم مثل خطر الفعل الإرهابي. ولاحقًا، تمنى رئيس وزراء أستراليا على الإعلام عدم استخدام اسم التنظيم، لأنه يخلط بين المسلمين والإرهابيين.

وليس صحيحًا أن الجميع من العلم والدراية بحيث يعي أن «داعش» تنظيم إرهابي مثل التنظيمات الفاشية المنتشرة في العالم. فعامة المسلمين البسطاء، وصغار السن، قد يصدقون أن التنظيم إسلامي يدافع عنهم بسبب اسمه، «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وعلمه الذي يحمل «الله أكبر». اسمه يختصر التاريخ والدين، ويسهل مهمة المدافعين عنه من متطرفي المسلمين، الذين هم أخطر من مقاتلي التنظيم، وأكثر جمهورًا. والأذى الثاني، أن ربط «الإسلام» بنشاطات التنظيم يوحي لغير المسلمين في أنحاء العالم بأن الجرائم من فعل دين الإسلام وأتباعه. ودائمًا، سهل إلصاق الجريمة بجنسية أو عرق أو دين أو فكر إذا كثف الإعلام ربطها به، كما هو الحال مع «داعش».

«داعش» تنظيم ذكي جدًا، ينفق جهدًا كبيرًا لترويج الصورة نفسها؛ أنه يمثل الإسلام والمسلمين، في صراع مع العالم كله. وهو يعرف نفسية الجمهور الذي يتوجه إليه، المسلمين في أنحاء العالم، بإعلان نفسه دولة، أو خلافة، تضرب في عمق التاريخ ويمكن أن تجد قبولاً عندهم، وقد يدعمونها ويقاتلون دفاعًا عنها، أيضًا. لهذا حرص على أن ينشر اسمه كاملاً «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، مدركًا أن وسائل الإعلام الشعبية هي خير من ينقل هويته وعنوانه في سوريا والعراق ورسائله إلى ملايين المسلمين في أنحاء العالم. وهذا ما يميز «داعش» عن تنظيم القاعدة، الذي لم يبالِ كثيرًا بسيكولوجية الرمزية، ولا ببناء ماركة من تصميمه. حتى اسمه «القاعدة» قرره له الإعلام الدولي منقولاً عن مصطلحاته مثل «قاعدة الجهاد»، ولم يروج لرايته، واشتهر له اسمان؛ «القاعدة» و«أسامة بن لادن»، واندثر بمقتله، وتفرق شمل التنظيم بعده، وفشل خليفته الظواهري في شغل الفراغ القيادي بأن يحل محله.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«داعش» ومعركة الاسم «داعش» ومعركة الاسم



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab