طارق الحميد
بعد تنحي الرئيس مبارك في 25 يناير (كانون الثاني) وجدت السعودية نفسها وجها لوجه مع الرأي العام المصري الغاضب، ومن دون سبب حقيقي، بل مجرد شائعات ملخصها أن السعودية تضغط لإرجاع مبارك، أو إخراجه من مصر، والأمر نفسه طال دولة الإمارات.
وتصاعد التحريض ضد السعودية، حتى انتهى الأمر بالتظاهر أمام سفارتها في القاهرة، وحينها قيل إن هذا شباب مصري غاضب، وتمت تسوية الأمور من خلال وفود مصرية رسمية وشعبية في حينها. واليوم يقوم «الإخوان»، وبعد سقوط حكمهم، بتسيير مسيرات ضد السفارة السعودية مرة أخرى، وكذلك ضد سفارة الإمارات، بحجة أن السعودية والإمارات تتدخلان في مصر! وبالطبع فإن السعودية والإمارات لا تتدخلان في مصر، بل تتعاملان مع القاهرة وفق القنوات الرسمية، وكما فعلت السعودية، مثلا، مع نظام مرسي، فهمّ السعودية والإمارات هو استقرار مصر الذي ينعكس على المنطقة ككل، ومن يتدخل في الشأن المصري الآن هو الغرب، في محاولة لتحقيق مكاسب لـ«الإخوان»، ومرسي، وليس الرياض أو أبوظبي.
والقصة هنا هي أن من سير المظاهرات اليوم ضد السفارة السعودية، أو الإماراتية، هو نفس من سير المظاهرات ضد سفارتيهما بعد تنحي مبارك، وحاول شغل الشباب، والقوى السياسية، في مصر حينها تارة بوهم الطرف الثالث، وتارة بالعدو الخارجي، كما حرض المصريين حينها ضد العسكر، من أجل أن يتسنى له شغل الجميع، والاستفراد بهم، حيث حاول «الإخوان» مرة إلصاق السلفيين بالسعودية، ورأينا كيف قام البعض بانتقاد «السلفية» عموما، نكاية في السعودية، وكتب في ذلك أحد السعوديين! ورأينا كيف سرب «الإخوان» في لحظة من اللحظات أيضا أنهم مدعومون من الرياض، وهذا أمر واجهته شخصيا في مقابلة مع إحدى الفضائيات المصرية! ثم قيل إن السعودية تدعم العسكر بعد مبارك، حيث فعل «الإخوان» المستحيل، وبدهاء، لتحويل السعودية إلى كرة سياسية في المشهد المصري، وفشلوا بالطبع، أي «الإخوان»، يوم انتفض ضدهم المصريون، ليعود «الإخوان» بأنفسهم الآن لتسيير المظاهرات ضد السفارة السعودية.
يحدث كل ذلك بحق السعودية من قبل «الإخوان» بمصر، والخليج، بينما نقرأ اليوم ونشاهد الوفود الدولية التي تطالب بزيارة مرسي، وإطلاق سراحه، وبضغط من «الإخوان» الذين فعلوا المستحيل من أجل التدخل الخارجي بمصر، وهذا ما لم يحدث بعد تنحي مبارك يوم وقف الجيش مع الشعب المصري، وكما فعل بالطبع بعد 30 يونيو! كما لم نسمع للآن عن مطالب دولية بضرورة إطلاق سراح مبارك الذي لم يفعل ما فعله «الإخوان المسلمون» بالثورة المصرية، حيث لم يستقو مبارك بالخارج كما يفعل «الإخوان» الآن لإطلاق سراح مرسي، حيث يقوم «الإخوان» بفعل المستحيل لإقحام الخارج في مصر، ولذا بتنا نرى «الإخوان» لا يصرحون إلا باللغة الإنجليزية! هذا كله يقول لنا إن من زج بالسعودية في المشهد المصري بالأمس هم «الإخوان المسلمون»، وها هم يفعلونها اليوم مرة أخرى متناسين أن إشكاليتهم الحقيقية هي مع الشعب المصري ولا أحد سواه.
نقلا عن جريدة الشرق الاوسط