طارق الحميد
طوال عمر الأزمة السورية، ومنذ اندلاع الثورة، كان السؤال المطروح دون إجابة هو: ما الذي يريده الروس بسوريا؟ ما هو الثمن؟ دون إجابة واضحة. الجمعة الماضي تحدث الرئيس فلاديمير بوتين واستفاض شارحًا موقف بلاده، ورؤيته للمنطقة، وذلك على هامش المنتدى الاقتصادي الشرقي بأقصى شرق روسيا.
تحدث بوتين عن رؤيته للمنطقة، ومبادرة مكافحة الإرهاب التي يتبناها، معلنًا أنه بحث مبادرته المتعلقة بتشكيل تحالف إقليمي واسع لمواجهة الإرهاب، مع الرئيس الأميركي والتركي، وممثلي قيادة السعودية، والأردن، والرئيس المصري، و«شركاء آخرين». وانتقد الرئيس الروسي السياسات الأميركية بالمنطقة، وكذلك الأوروبية، وقدم مرافعة حول نظرته للديمقراطية، واحترام الأديان، والمعتقدات، والمذاهب، والعادات والتقاليد، وضرورة مراعاتها عند أي تغيير، أو إصلاح سياسي، وحمل الغرب مسؤولية عواقب أزمة المهاجرين دون أن يحمل بشار الأسد مسؤولية ما يحدث بسوريا مباشرة، ودون لوم الدعم الإيراني للأسد، وعمل إيران التخريبي بالمنطقة.
وخلاصة مرافعة بوتين المهمة تلك حول نظرته للمنطقة، وكيفية محاربة الإرهاب، تظهر، ولأول مرة، ما يريده الروس حقيقة بالمنطقة، والهدف الذي خططوا له من خلال مواقفهم الأخيرة طوال الأربع سنوات الماضية، حيث بات من الواضح أن الروس يرون فرصة تاريخية لملء الفراغ الأميركي بالمنطقة، وأن الرئيس الروسي يرى أن بلاده هي الوريث الشرعي للأميركيين، ويتأهب بوتين لاستثمار ما خلفه الرئيس أوباما من سياساته بالمنطقة التي تقدم الآن على طبق من ذهب للروس، حسب رؤيتهم، خصوصًا بعد الاتفاق الإيراني النووي. ولذا، فإن الروس يتحركون لدخول المنطقة من تحت مظلة مكافحة الإرهاب، وكما فعل الأميركيون بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، إلا أن الفرق هنا هو أن الرئيس الروسي يصور بلاده كقوة أكثر معرفة بالمنطقة من الأميركيين. ولذا، فإن بوتين يتحدث بلغة لا تختلف كثيرًا عن لغة إيران، أو خطابات الأسد عن الحاجة للإصلاح، ولكن من خلال السرعة، وليس التسرع، وما إلى آخره من هذه اللغة التي ظاهرها حق وباطنها خراب.
اليوم يريد الرئيس الروسي استلام المنطقة من الأميركي المنسحب مسوقًا نفسه كصديق للإيرانيين، ومدافعًا عن الأسد، وأكثر تفهمًا للمصريين، وقائلاً للخليجيين والمعتدلين العرب إنكم لم تحققوا الهدف المنشود بسوريا، وبمقدوري مساعدتكم هناك. اليوم يسوق الرئيس الروسي بلاده كدولة تمتلك كثيرًا من المفاتيح بالمنطقة، وعينه؛ أي بوتين، على العقود المالية الإيرانية، والانفتاح الخليجي، ودعم مصر عسكريًا، والتلويح بمقدرته على دحر «داعش» بالعراق وسوريا، وبمقدور الروس بالطبع فعل ذلك أكثر من الأميركيين، فبمجرد دخولهم المعركة، فإنهم سيحرقون الأخضر واليابس على «داعش» غير مكترثين ببرلمان، أو إعلام، أو حقوق إنسان.
وعليه، فإن هذه هي المرة الأولى التي يتضح فيها حقيقة الموقف الروسي من المنطقة حاليًا، وخارطة تحركاته، وهو الأمر الذي يظهر أهمية زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لواشنطن، وعقده لقمة مهمة مع الرئيس أوباما، وهذا ما سنناقشه غدًا بإذن الله.