بقلم- طارق الحميد
بينما تتأهب السلطات المحلية، في عدد من الولايات، لاحتمالية خروج احتجاجات لمناصري الرئيس السابق دونالد ترمب على خلفية «توقيفه المحتمل» بسبب رشوة مزعومة لـ«شراء صمت» نجمة أفلام إباحية عام 2016، تعجّ وسائل الإعلام الأميركية بتساؤلات عن الرابح والخاسر في هذه المعركة.
وحتى كتابة المقال لم يُصدر المدعي العام في نيويورك، ألفين براغ، إدانة بحق ترمب، وأعتقد في حال صدور قرار الإدانة، وبالتالي الاعتقال، فإن الخاسر الأكبر ليس الحزب الديمقراطي أو الجمهوري، وإنما العملية الديمقراطية نفسها في الولايات المتحدة، وخارجها.
توقيت الإدانة، في حال تمت وبالطبع الاعتقال، وفي أثناء الاستعداد لتدشين الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة، يعطي انطباعاً بأن العملية مسيسة. ولا يهم هنا التفاصيل القانونية، بالنسبة إلى جزء كبير من الرأي العام الأميركي، وحتى الدولي.
وعلينا أن نتذكر أن معركة الانطباعات، إن جاز التعبير، أعقد بكثير من المعارك القانونية أو الصراعات السياسية، وهذا ما يجيده ترمب بالطبع ويلعب عليه منذ ظهوره على المسرح السياسي.
رئيس مجلس النواب، الجمهوري، كيفين مكارثي، يقول إنه «أصدر تعليمات إلى اللجان المختصة بالبدء فوراً في التحقيق فيما إذا كانت الأموال الفيدرالية تُخصص للتدخل بالانتخابات عبر شن ملاحقات قضائية مسيّسة». كما اتّهم مدعي عام نيويورك باستغلال منصبه لـ«تنفيذ عملية انتقام سياسي بحق الرئيس السابق».
وهذا التصريح لن يكون رأياً جمهورياً، بل إنه انطباع كل مراقب ومهتم بالعملية السياسية في الولايات المتحدة، والديمقراطية فيها. الديمقراطية التي يقول جُلّ المفكرين والساسة الأميركيان إن أفضل طريقة للحفاظ عليها هي ممارستها بشكل جاد في الداخل الأميركي.
وبالطبع فإن ظهور ترمب نفسه على المسرح السياسي كان أكبر تحدٍّ للديمقراطية، ومثله التيار الشعبوي دولياً، وبالتالي فإن طريقة التعامل مع ترمب والشعبويين من أمثاله ستكون بمثابة الاختبار الحقيقي للعملية الديمقراطية.
وهنا لا نناقش ما يتعلق بالداخل الأميركي، بل كيف ينظر العالم إلى القوة العظمى التي تريد ربط «القيم الديمقراطية» بسياستها الخارجية، خصوصاً أن الرئيس بايدن أعلن، أوائل حكمه، عن مؤتمر دولي للديمقراطيات في العالم.
إلا أن ما حدث ويحدث في عهده، وبسوء تصرف من إدارته، كان بمثابة ضربة للديمقراطية، حيث الانسحاب المخزي من أفغانستان، وتسليمها لـ«طالبان» بطريقة ستلاحق مصداقية الولايات المتحدة. وكذلك تعامل بايدن مع الاحتجاجات الإيرانية، وقبله تعامل أوباما مع الثورة السورية.
والآن، وفي حال تم توجيه الاتهام إلى ترمب واعتقاله، فإن صورة الديمقراطية هذه، وربط قيمها بالسياسة الخارجية الأميركية، ستتعرض لضربة حقيقية، وسيصبح من المثير للضحك أن يتحدث مسؤول أميركي في المنطقة، مثلاً، عن الديمقراطية، وأهميتها.
ومرة أخرى، نحن هنا لا نتحدث في نقاش أكاديمي أو قانوني، بل عن صورة نمطية باتت تترسخ في العالم، ومفادها أنه ما الفرق بين الديمقراطية الأميركية، وصراعاتها السياسية، وبين ما يحدث في بعض دول منطقتنا؟
وعليه فقد سدد الصراع الديمقراطي الجمهوري في الولايات المتحدة ضربة حقيقية لمفهوم الديمقراطية، وأكثر مما فعل خصومها، وتحديداً في عهد الإدارة الحالية.