بقلم : طارق الحميد
تخيل أنك عراقي، سني تؤمن بالمواطنة، وتحلم بزمن أفضل من زمن الديكتاتور صدام حسين. أو شيعي يحترم فيه كرامة المواطن، أيا كان مذهبه، أو دينه.
معتدل، لا ترى العراق محافظة إيرانية، وإنما وطن جامع أو كردي وطني، تحلم بالعراق المتنوع، أو مسيحي يرى العراق وطنا أما، ثم تشاهد رئيس وزراء العراق بزهو بأنه أبلغ أوروبيا بعدم الاكتراث بحقوق الإنسان في معركة استعادة الموصل من «داعش»؟
متحدثًاً تخيل أن تكون عراقيا وتشاهد، وتسمع، حيدر العبادي وهو يقول إن ممثل الاتحاد الأوروبي في بغداد،
باتريك سيمونيه، أبلغه بأن الاتحاد راض عما يتعلق بحقوق الإنسان بمعركة الموصل، وبأن الممثل الأوروبي طلب من العبادي ألا يكترث لتقارير أصدرتها منظمتا العفو الدولية و«هيومن رايتس ووتش»، ووثقتا فيها انتهاكات للقوات العراقية، وميليشيات «الحشد الشعبي» ً ضد المدنيين، حيث يقول العبادي، وتلفزيونيا، إن الممثل الأوروبي طالبه بألا يكترث بتلك التقارير «لأن لها أسبابها»! فكيف سيكون رد فعلك، بصفتك عراقيا ً وطنيا، أيا كان دينك، أو مذهبك، وتحلم بوطن لا مكان للديكتاتورية فيه، ولا العنف، ولا القمع، ولا التطرف؟
ً بالتأكيد ستشعر بأن العراق بات بؤرا، وليس بؤرة، للتوحش، من الديكتاتور صدام، للإرهابي الزرقاوي، إلى المتطرف بمواقفه نوري المالكي، والإرهابي أبو بكر البغدادي، وصولاً إلى المتفاخر بعدم الاكتراث بحقوق الإنسان حيدر العبادي صاحب الحصانة التاريخية الآن، التي منحه إياها ممثل الاتحاد الأوروبي ببغداد،
بحسب ما قاله العبادي، الذي تعني تصريحاته هذه عن عدم الاكتراث بملف حقوق الإنسان أننا تجاوزنا ً مرحلة الابتذال السياسي في العراق، ووصلنا إلى مرحلة الابتذال الأخلاقي المشرعن دوليا، ومن ممثل أعرق الدول المعنية برعاية حقوق الإنسان، ممثل الاتحاد الأوروبي في العراق، الذي يرضى، ويقبل، أن تنتهك ً حقوق المواطنة، والإنسانية، في العراق الذي يفترض أنه ديمقراطي، ويحارب التطرف، ويساند أوروبيا بأموال دافعي الضرائب، فأي مهزلة أكبر من هذه؟
وطالما لم يصدر نفي واضح، قاطع، من الاتحاد الأوروبي، وممثله في العراق، حول ما نسبه له العبادي، الذي ربما يكون أول حديث للممثل الأوروبي، أو أخرجه من سياقه، ونقول ربما، فإننا نكون أمام نفاق سياسي مريب، وخطر، من الجانب الأوروبي حيال ملف حقوق الإنسان في العراق، وهو ما يثير الشكوك في مواقفهم ً في سوريا أيض ً ا، وخصوص ً ا أمام جرائم الأسد، وحلفائه الإيرانيين، تحديد ً ا، كما أنه يثير الريبة أيضا تجاه مواقف الاتحاد الأوروبي من قضايا المنطقة المتعلقة بحقوق الإنسان، حيث نرى الآن مواقف أوروبية متساهلة في العراق، مقابل مواقف متشددة بدول أخرى في منطقتنا؛ مما يعني أننا أمام مواقف انتقائية، وليس مبدئية أخلاقية، وقانونية.
ٍ وعليه، فإما أن يصدر نفي أوروبي قاطع، أو توضيح كاف، أو نكون أمام كارثة أخلاقية، وسياسية، ومأزق حقيقي؛ لأن موقف الاتحاد الأوروبي هذا الذي تحدث عنه العبادي يعني أن ديمقراطية العراق مجرد كذبة، كما يعني أننا مقبلون على مزيد من التطرف، والعنف، والإرهاب، في العراق، وسوريا، وغيرهما.