بقلم : طارق الحميد
في خطوة مهمة٬ ولافتة٬ زار الأمير خالد بن فيصل بن عبد العزيز٬ مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة٬ لبنان٬ ناقلا رسالة تهنئة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الرئيس اللبناني الجديد ميشال عون.
الفيصل قال في بيروت٬ إنه حمل للرئيس اللبناني رسالتين من الملك سلمان بن عبد العزيز: «الأولى تحمل التحية والتهاني لاختيار وانتخاب فخامته رئيسا» للبنان.. «أما الرسالة الثانية فهي تقديم الدعوة إلى فخامة الرئيس لزيارة المملكة العربية السعودية في أقرب فرصة». وقال الفيصل إن الرئيس اللبناني وعده «بأنّه سوف يقوم بهذه الزيارة٬ وقبولها بعد تشكيل الحكومة مباشرة». وهنا قد يتساءل القارئ: ما الذي يجعل هذه الزيارة مهمة٬ ولافتة؟ الإجابة ببساطة هي أن هذه الزيارة تأتي بعد تكهنات بأن السعودية قد «فكت ارتباطها بلبنان»٬ وأنه لم يعد على خريطة اهتماماتها٬ وهذا ما يقتنع به كثر من الساسة اللبنانيين٬ ويروج له البعض ممن يرى أن السعودية ذهبت بعيدا بالملف اللبناني٬ ولا بد من «فض اليد».
ولذا فإن للزيارة مدلولات مهمة٬ حيث جاءت على مستوى رفيع٬ فالأمير خالد الفيصل٬ رجل دولة ذو ثقل٬ وهو مستشار خادم الحرمين الشريفين٬ وتعني أن السعودية لم تفك الارتباط بلبنان٬ لأن السعودية٬ كدولة٬ أكبر من أن تنكفئ٬ والسياسة هي فن الممكن٬ ولا مكان فيها للقطيعة٬ حتى بالأزمات٬ والحروب٬ حيث هناك قنوات خلفية تظل مفتوحة٬ مباشرة٬ أو عبر وسطاء٬ وذلك لا يعني التماهي٬ أو الضعف٬ بل من أجل تحقيق الأهداف المرجوة٬ وأكبر أهداف السعودية٬ ومنذ تأسيسها٬ هو ترسيخ الاستقرار والأمن في المنطقة.
والأمر الآخر المهم في الزيارة أنها توجت بلقاء الفيصل مع أركان المؤسسات اللبنانية٬ وليس الأحزاب٬ فالسعودية دولة وتتعامل وفق مفهوم الدولة٬ وهذا ما فعله الفيصل حين التقى الرئيس عون٬ ورئيس مجلس النواب نبيه بري٬ ورئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام٬ كما التقى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري٬ فالسعودية أكبر من أن تختزل بحليف٬ أو حزب٬ وهذا المطلوب دوما سواء في لبنان٬ أو حتى العراق. ولذلك فإن زيارة الفيصل للبنان مهمة٬ ومؤشر جيد٬ لأن إهمال لبنان خطأ٬ ومهما كثرت أزماته٬ التي وصفتها في مقال هنا قبل سنوات بـ«الحفرة اللبنانية»٬ وعلينا أن نتذكر بأن التواصل السعودي مع لبنان ليس هدفه الصراع٬ أو فرض غلبة٬ وإنما انتصار لمفهوم الدولة٬ خصوصا في مناطق التماس الجغرافي المتأزمة بمنطقتنا٬ ولبنان مركزه٬ وهذا ما أكده قول الفيصل في بيروت٬ وبكل وضوح٬ إن رغبة السعودية والسعوديين هي ألا يكون لبنان «ساحة خلاف عربي٬ بل ملتقى وفاق عربي».
وهذا لا يتحقق إلا بالتواصل٬ والعمل السياسي الدؤوب٬ دون كلل٬ أو ملل٬ فالبناء أصعب من الهدم٬ ولذلك مهمة العقلاء بالمنطقة٬ وعلى رأسهم السعودية٬ أصعب من مهمة المخربين بمنطقتنا٬ وعلى رأسهم إيران.