بقلم - طارق الحميد
المنطقة والمجتمع الدولي أمام استحقاق تأخر مطولاً؛ وهو مواجهة الميليشيات التي أدت إلى انهيار عدة دول عربية، وها هي الآن تهدد المجتمع الدولي من خلال تعطيل الملاحة البحرية، ممَّا يعني الاقتصاد الدولي، كما أنَّها باتت تهدد باتساع رقعة الحرب بالمنطقة.
المجتمع الدولي اليوم، الولايات المتحدة وأوروبا، أمام استحقاق لطالما تجاهلوه في العراق؛ وهو الميليشيات التابعة لإيران، ولن أدخل بتحليل لماذا تم تجاهل تلك الميليشيات، لكنه كان نتيجة قصور سياسي، ومنذ إدارة الرئيس بوش الابن، ولحظة قرار إسقاط نظام صدام حسين.
اليوم اضطرت واشنطن لاستهداف قيادات من ميليشيا النجباء بالعراق، وذلك رداً على الاستهداف الذي يطال القوات الأميركية بالعراق وسوريا، وبعد تجاهل مطول لتلك الميليشيات وما فعلته وتفعله بالعراق.
والمجتمع الدولي، الولايات المتحدة وأوروبا، أيضاً أمام استحقاق التعامل مع «حزب الله»، وهو على مشارف دخول حرب مدمرة على لبنان، حيث حول الحزب بيروت إلى غرفة حرب لإدارة ميليشيات المنطقة التابعة لإيران.
ويلحظ المتابع الآن تغطية إعلامية غربية مكثفة لواقع الميليشيات بمنطقتنا كأنها اكتشاف جديد، وذلك بعد أن سطّحت جل تلك الوسائل واقع الميليشيات وخطورتها على المنطقة، والاقتصاد العالمي والسلم.
واليوم تحشد واشنطن لتشكيل قوة بحرية من أجل حماية الملاحة البحرية من اعتداءات الحوثي على السفن التجارية، وبعد تجاهل تام لخطورة ما حدث باليمن، ومنذ أكثر من عشر سنوات.
خلاصة القصة أن ما تم تجاهله مطولاً بالمنطقة، وعلى مدى عقود، بات يستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً، لأن الضرر بات يهدد الجميع، المنطقة والمجتمع الدولي، كما أنه بات يهدد بتوسع الحرب.
وأكثر دولة مرشحة لدخول هذه الحرب الآن هي لبنان، ولعدة أسباب؛ أهمها رغبة نتنياهو في تمديد حياته السياسية، وتورط «حزب الله» بأحداث المنطقة، حيث بات حسن نصر الله بديلاً لقاسم سليماني بإدارة ميليشيات المنطقة.
وعليه، فإن المنطقة بأمس الحاجة الآن لاستراتيجية حقيقية للتعامل مع الميليشيات التي دمرت كلاً من سوريا والعراق واليمن ولبنان، وقسمت وحدة الصف الفلسطيني، ولو بالحد الأدنى من أجل توافر سلطة قادرة على حماية القضية الفلسطينية.
ومن أجل وضع استراتيجية حقيقية، فإن ذلك يتطلب تعاوناً عربياً أميركياً دولياً للتعاطي مع خطر الميليشيات على المنطقة، وهذا لا يتم فقط بعمليات عسكرية محدودة رداً على مسيرات باتت مفلوتة في كل المنطقة.
وإنما المطلوب وضع استراتيجية واضحة للتعامل مع القضايا التي تتخذ ذريعة لوجود تلك الميليشيات، وأولاها ضرورة إحياء عملية السلام بشكل حقيقي من خلال الالتزام بوقت ومسار، وإطار حقيقي ذي مرجعيات متاحة أصلاً لإتمام عملية السلام، وضرورة الشروع بالحل السياسي في سوريا، ووفق إطار محدد والتزام عربي ودولي. والأمر نفسه في اليمن، وهو الأقرب الآن لتوقيع عملية سلام، وكذلك التعامل مع المحاصصة الطائفية غير القابلة للاستمرار بالعراق.
لا بد من استراتيجية حقيقية لكيلا نصل إلى اللحظة التي يقال فيها عن أكثر من دولة عربية ما قالته الأمم المتحدة قبل أيام عن غزة، بأنها أصبحت «مكاناً للموت».