طارق الحميد
في أقل من أسبوعين، وبعد انطلاق الثورة السورية، أطلقت إيران ونظام بشار الأسد وحزب الله، محطة تلفزيونية تتبنى وجهة نظرهم، وتروّج لها، كما أُطلق موقع إخباري باللغة الإنجليزية على الإنترنت لا يزال الإعلام الغربي يحاول جاهدا معرفة من يموله!
يحدث كل ذلك ثم يخرج لنا مجلس التعاون الخليجي، وبعد ثلاثة أعوام من الزلزال العربي، وبعد كل ما تعرض، ويتعرض له الخليج من تهديدات، بمحطة إذاعية جديدة باسم «هنا الخليج العربي» لتعزيز الهوية والمواطنة الخليجية، فهل يمكن التصدي لكل الحملات المنظمة المستهدفة للخليج وأمنه فقط بمحطة إذاعية، خصوصا أن الأمين العام لمجلس التعاون يقول إن «التصدي للحملات الإعلامية التي تعمل على تشويه الحقائق ومغالطة الواقع، هي مسؤولية لا يمكن مجابهتها إلا بمزيد من الجهد في إبراز الحق كما هو ليدحض الباطل»، فهل يتحقق ذلك من خلال محطة إذاعية فقط؟
بالطبع لا، خصوصا أننا أمام سيل هائل من المعلومات بسبب التطور التكنولوجي، وليس القصد هنا أن زمن الإذاعة قد انتهى، بل إن المقصود هو أن الاعتماد على الإذاعات فقط لا يكفي على الإطلاق، خصوصا أن الفضاء العربي يعج بالمحطات التلفزيونية الإيرانية، وتحت أسماء ومضامين مختلفة، والبعض يعتقد أنها فقط قنوات تسلية! وهناك بالطبع المواقع الإعلامية الإخبارية على الإنترنت، من وكالات، وصحف، ومواقع متخصصة بالشائعات المستهدفة لدول الخليج، سواء مدونات شخصية، أو مواقع دردشة يجري فيها ما سميته ذات يوم «غسيل الأخبار»، هذا عدا عن الكتب، والبحوث، والتمويل المالي لأفراد وجماعات محسوبة على إيران، أو مناهضة للخليج، مثل جماعات الإخوان المسلمين، فكيف يكتفي الخليج بعد كل ذلك بإطلاق محطة إذاعية فقط؟!
وبالطبع فإن كل جهد مبذول هو موضع ترحيب، لكن لا بد من مراعاة المتغيرات؛ حيث بات المشهد مختلفا ومعقدا، مما يتطلب رؤية غير تقليدية بالتعاطي مع الإعلام، وخصوصا بعد فشل الإعلام الرسمي العربي، ولذا فإن على مجلس التعاون الخليجي إدراك طبيعة المتغيرات، واستيعاب، مثلا، أهمية التدريب، والتعليم، ودعم المشاريع الإعلامية الخليجية الناجحة، مؤسسات وأفرادا، مثل الاهتمام بالمتحدثين المميزين بلغات مختلفة ومنها العربية بالطبع، وأن يكون الاهتمام بالمؤسسات والأفراد أيضا تلفزيونيا وإذاعيا، وعبر الإنترنت، وكذلك دعم الصحف الورقية المؤثرة، خصوصا أن الصحف لا زالت أحد أهم أسباب التطور الإعلامي بالغرب، حيث لكل صحيفة ناجحة محطات تلفزة، وإذاعة، ومراكز تدريب وتعليم، وهي من يقود التطور الإعلامي التكنولوجي أيضا.
وقبل هذا وذاك، وهو ما قلناه ألف مرة، لا بد من فرض قوانين صارمة لحماية حقوق الملكية الفكرية في الخليج، والتعامل معها بنفس صرامة التعامل مع مكافحة المخدرات، لما لذلك من عوائد اقتصادية، وتحفيز للإبداع. حينها يستطيع الخليج التأثير، وإبراز نجومه، وخلق مؤسسات إعلامية رائدة، مما يمكنه من الحد من المؤثرات الخارجية السلبية لكي لا يصبح الخليج فضاء رحبا للشائعات، والأخبار المزورة، كما هو الآن.