طارق الحميد
عملية اختطاف رئيس الحكومة الليبية الانتقالية علي زيدان تختزل الماضي بالحاضر بكل ما يتعلق بمنطقتنا، حيث الحرب والتدخل الدولي، والسلاح والعنف والإرهاب، وفوق هذا وذاك «الإخوان المسلمون».
اختطاف زيدان دليل على الإهمال الدولي، ليس في ليبيا وحدها، بل ومنذ الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، والتدخل الأميركي حينها، وإهمال «المجاهدين» بعدها، مرورا باحتلال العراق، والانسحاب الهزيل منه، وحتى الحالة السورية اليوم.
اختطاف زيدان دليل على أن المجتمع الدولي لم يستفد من أخطائه، ومنذ التدخل بأفغانستان، ثم تجاهلها لتصبح مرتعا للتطرف والإرهاب، وحتى عندما أراد المجتمع الدولي تجنب تكرار أخطاء التدخل قام بارتكاب أخطاء أسوأ منها بدلا من التعلم من أخطاء الماضي ومحاولة تفاديها. ففي أفغانستان دحر الاتحاد السوفياتي فهرول الأميركيون من هناك لترث طالبان البلاد، ومعها أسامة بن لادن، و«القاعدة» بعد ذلك. وفي العراق ما إن أطيح بصدام حتى هرولت أميركا من هناك بعد ادعائها ترسيخ الديمقراطية، والحقيقة أن ما فعلته أميركا هو أنها سلمت العراق لإيران، ولذا فإننا نرى العراق يحترق طائفيا.
وفي ليبيا تم إسقاط القذافي، وبقيادة أميركية متوارية، ثم ما لبث أن هرول الأميركيون، والمجتمع الدولي، وخصوصا بعد اغتيال السفير الأميركي، مخلفين بلدا لا مؤسسات فيه، ويعج بالسلاح، وأيضا بحجة ديمقراطية شكلية اختطفها «الإخوان المسلمون»، المتهمون اليوم باختطاف رئيس الوزراء الليبي.
«الإخوان» المدعومون من أميركا في مصر! في ليبيا، ومثل غيرها، تجاهل الأميركيون والمجتمع الدولي أهمية الاستقرار، وهللوا لديمقراطية شكلية، كالتي في عراق ما بعد صدام.
وما يحدث في سوريا اليوم هو استمرار لنفس العبث والأخطاء، أخطاء التجاهل والنفس القصير، حيث يتم التهرب من استحقاق الملف السوري، وكما حدث في كوسوفو، قبل أن تتدخل أميركا لاحقا، وسيكون التدخل الأميركي القادم، سواء بعهد أوباما أو من يأتي بعده، متسرعا، وكما حدث بليبيا وغيرها، لتترك سوريا للجحيم، وكل ذلك بحجة الديمقراطية الشكلية، والسبب أننا بعصر سياسي استطلاعات الرأي، حيث بات السياسي مثل النجم التلفزيوني خاضعا لأرقام المشاهدة، لا شروط القيادة.
ومن هنا فإن ما حدث في ليبيا يقول لنا إن الركض المبالغ فيه من قبل الغرب خلف الديمقراطية الشكلية بدلا من السعي لاستتباب الاستقرار أولا هو ما ضيع العراق، وسيضيع ليبيا، كما ضيع أفغانستان، وهو ما سيضيع سوريا، وهو ما كاد أن يعصف بمصر لولا وعي المؤسسة العسكرية ووطنيتها، فطالما أن الغرب يتجاهل أهمية الاستقرار التي لا تعني بقاء جنود أجانب بالبلاد، بل واقعية سياسية، ونظام انتقالي بمراحل محددة، وشروط واضحة، أهمها كتابة الدستور، وقبل الديمقراطية الشكلية التي ستكون نتائجها كما رأينا في ليبيا حيث اختطف رئيس الوزراء، واتضح أن أحد أهم قياديي «القاعدة»، والذي اختطفته أميركا، أبو أنس الليبي كان حرا طليقا في ليبيا مثله مثل قتلة الراحل أنور السادات الذين كانوا يسرحون ويمرحون بفترة حكم مرسي التي تدافع عنها أميركا الآن!