طارق الحميد
على صفحة كاملة نشرت صحيفة الـ«نيويورك تايمز» الأميركية أمس قصة مذهلة، ومرعبة، لكيفية تعامل الرئيس أوباما مع الثورة السورية منذ اندلاعها، وللآن، وجاءت القصة كمحصلة لعشرات من اللقاءات مع مسؤولين سابقين وحاليين بالإدارة الأميركية، وممن حضروا الاجتماعات التي حضرها الرئيس نفسه.
وأهمية القصة الصحافية لا تكمن في تأكيدها لما هو معلوم عن تردد أوباما، وإنما مدى قراءته غير الجدية للأزمة، وتأثيرها على المنطقة، والمصالح الأميركية، ومصالح دول المتوسط! والقصة تظهر كيف أن أوباما كان يعتقد بأن أزمة سوريا هي واحدة من الأزمات «الشيطانية» التي يواجهها كل رئيس، وأنه، أي أوباما، لم يكن «متحمسا» بالاجتماعات الخاصة بسوريا، وغير صبور، ولدرجة أنه كان ينشغل بمطالعة رسائله الخاصة على جهاز البلاكبيري، أو «الاسترخاء ومضغ العلك»! والأمر لا يقف عند هذا الحد، بل إن الإدارة الأميركية وعند إعلانها عن ضرورة رحيل الأسد، وأن أيامه معدودة، أوائل الأزمة، كان تقييمها معتمدا على أنه طالما رحل بن علي ومبارك بسرعة، ولم يصمد القذافي، فهذا يعني أن رحيل الأسد حتميا سيكون سريعا، حتى دون خطة!
والجنون والعبث لا يقف عند هذا الحد، بل إن إدارة أوباما لم ترفض مقترحا واحدا من الاستخبارات الأميركية لتسليح الثوار السوريين كما هو معلن أيام الجنرال باتريوس، بل إنها رفضت عرضا آخر من خلفه! كما تظهر القصة أن أوباما نفسه لم يأخذ الأزمة السورية على محمل الجد حتى بدأ حلفاء أميركا يضغطون عليه مباشرة، علما، وبحسب الصحيفة، أن التقارير الاستخباراتية كانت تأتي متوالية عن استخدام الأسد المتكرر للكيماوي! والمرعب أن القصة تكشف كيف أن كل قرار اتخذته الإدارة حيال سوريا، من تسليح ودعم، لم يكن لينفذ أبدا، حتى أن قرار تسليح الجيش الحر الذي أعلنته إدارة أوباما بعد مجزرة الكيماوي في الغوطة لم يكن جديدا، بل إنه قرار اتخذ بشكل سري قبل شهرين، لكنه لم ينفذ، وللآن!
وعندما نقول: إن القصة مرعبة، بل إن تفاصيلها مثيرة للاشمئزاز، فلأنها تظهر مدى محدودية تفكير هذه الإدارة تجاه المنطقة، وعدم جديتها، فإدارة أوباما، مثلا، قررت العودة للكونغرس للحصول على إذن بالضربة العسكرية ضد الأسد، بحسب الصحيفة، لأنها تخشى استفزاز الكونغرس حين التفاوض مع إيران! كما ذكرت الصحيفة أن نائب مستشار الأمن القومي حينها دينيس ماكدونو، ورئيس كبار موظفي البيت الأبيض الآن، قال لأعضاء بالكونغرس إن أزمة سوريا ستورط إيران لسنين، وإن مواجهات حزب الله و«القاعدة» في سوريا تصب بمصلحة أميركا!
إذن، هكذا تفكر إدارة أوباما، وتتعامل مع سوريا والمنطقة، وهو ما يبرر ما كتبناه هنا بأن قوة الأسد هي ضعف أوباما نفسه، ولذا فلا غرابة إذا غضب حلفاء أميركا، ولا غرابة أيضا لو بروز بشار الأسد صفحة الـ«نيويورك تايمز» في مكتبه لتذكير حلفائه بأنه لا قلق طالما أن أوباما موجود!