طارق الحميد
استيقظ سكان العاصمة الإيرانية ليجدوا لوحات إعلانية تهاجم الحوار الأميركي الإيراني، وبعد ثلاثة أيام أعلنت بلدية طهران إزالة هذه اللوحات التي تتحدى سياسات الحكومة الجديدة، وانفتاحها على أميركا، كما تدعي، وأعلنت بلدية طهران أن لا علاقة لها بتلك الإعلانات، فما الذي يحدث في إيران؟
الحقيقة أنه لا جديد، فالسياسة الإيرانية هي سياسة دعائية في كل شيء، من صواريخ الفوتوشوب، إلى حملات تشويه الخصوم العرب، وكذلك الادعاء بالتقارب والحوار، واليوم فإن الدعاية الإيرانية التي أشغلت بها المنطقة على مدى أربعة عقود تعود لأرضها، ومهدها إيران، بعد اللعب طويلا خارج الحدود. وعلى غرار ألاعيب وسائل إيران الدعائية من قناة «المنار» إلى قناة «العالم» الإيرانية، وغيرهما من قائمة طويلة، من مؤسسات وأفراد، يبدو أن الدعاية الإيرانية عادت الآن لتلعب أول مباراة لها على الأراضي الإيرانية، وذلك لمرور إيران الآن بلحظات حرجة، أهمها معركة الانفتاح على الغرب، وأميركا تحديدا، وقبلها بالطبع معركة إضعاف، واقتراب سقوط الأسد، والذي يعني مساسا بالمشروع الإيراني الأم بالمنطقة.
وعندما نقول: إن السياسة الإيرانية سياسة شوارع فهناك تاريخ يثبت هذا الأمر فمن الشارع الذي سمي باسم قاتل الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، والذي بحسب المعلن، تم تغييره من أجل أن تتمكن إيران من فتح صفحة جديدة مع مصر بعد رحيل نظام مبارك، إلى مرحلة تنظيف بلدية طهران لشوارعها اليوم من الدعاية السلبية ضد واشنطن فقط لأن النظام يريد الانفتاح على أميركا، هكذا بكل بساطة. وحملة الشوارع هذه، سواء بالدعاية، أو إزالتها، هي نهج إيراني مستمر منذ الثورة الخمينية، وهي سياسة شوارع تبدأ من الحملات، مرورا بالمساجد، ووسائل الإعلام، وحتى الجماعات الموالية لإيران ليس في إيران وحدها، بل وفي المنطقة، مثل حزب الله، وغيره، وإلى الأنظمة الموالية لطهران مثل الأسد والمالكي.
وبالطبع فإن النظام الإيراني كان يعتقد أن هذه الدعاية مثل ما كتبت بالحبر، ونشرت باللوحات، فإن من السهل إزالتها، متناسيا، أي النظام الإيراني، أن هذه الدعاية كانت بمثابة الغذاء الفكري لأجيال، وترتب عليها ما ترتب، وبالتالي فمن الصعب أن تمحى بجرة قلم، كما تحاول طهران فعله اليوم، وهذه هي نفس الورطة التي وقعت بها جماعات إسلامية سنية، مثل الإخوان المسلمين، حيث اعتقدوا أنه في لحظة سياسية معينة يمكن محو عقود من الدعاية، والانتقال من الشعارات الفضفاضة إلى البرغماتية السياسية دون مراجعات حقيقية، بالنسبة للجماعات، أو إصلاحات في حالة الأنظمة، وكحال النظام الإيراني الذي استمرأ الدعاية والتضليل، بالداخل والخارج.
ومن هنا فإن عملية وضع لوحات مناهضة لأميركا في طهران، أو إزالتها، ليست بالأمر الرمزي البسيط، بل هي مؤشر على أن النار تحت الرماد في إيران نفسها، وبالطبع لدى كثر من حلفائها، فإيران، وأتباعها، يجمعهم التخريب لا بناء الدول، ولذلك فإن محاولة الخروج للضوء تسبب لهم العمى السياسي، ولذا يبدو أن القادم سيكون أكثر من لوحات دعائية.