طارق الحميد
في عام 1911 قال رئيس التحرير الأميركي الشهير في وقتها آرثر بريسبان في مناقشة حول فعالية الصحافة: «استخدم الصورة فإنها تساوي ألف كلمة»، وهذا صحيح منذ قالها وحتى صور محاكمة الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي التي بثت أمس أثناء جلسات محاكمته.
وبالطبع لا يهم ما دار في المحاكمة، بمقدار رمزية الصورة التي تقول لنا أن لا شيء تغير بالسياسة العربية، خصوصا لدى من يدعون النضال في كثير من الجمهوريات العربية، فمنذ سقوط ومحاكمة صدام حسين، وحتى ظهور مرسي أمام القاضي أمس، والمنظر نفسه، والتعابير التي بدرت عن مرسي هي نفسها تقريبا التي بدرت عن صدام في محاكمته، من التركيز على أنه، أي مرسي، الرئيس الشرعي، وأن القاضي يغطي على انقلاب، إلى التظاهر بالقوة الكاذبة! وقد تكون إيماءة الرئيس الأسبق مبارك في إحدى محاكماته ومنظر نظارته الشمسية مستفزين، إلا أن صورة مرسي أمام القاضي تعتبر مستفزة أكثر لمن هم غير مؤيدين للإخوان المسلمين، ومذكرة بضرورة الالتفاف حول المؤسسة العسكرية المصرية الآن!
وهذا أحد الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها مرسي أمس، والإخوان، وهي دليل على أن أحدا لم يتعلم شيئا، منذ سقوط صدام ومحاكمته، ومرورا بالربيع العربي، وحتى اليوم، سواء الإخوان، أو مرسي، وبالطبع بشار الأسد. فظهور مرسي بمحاكمته، والشبيه بظهور صدام، يأتي في الوقت الذي تواجه فيه المؤسسة العسكرية المصرية «مطبات» سياسية صعبة، من التسريبات الخاصة بالفريق السيسي، إلى إيقاف برنامج باسم يوسف في تصرف خاطئ ينم عن سوء إدارة سياسية واضحة، إلى صعوبات أخرى، وبدلا من أن يحاول مرسي، والإخوان بالطبع، استغلال هذه «الصورة»، أي محاكمة مرسي، لقلب الطاولة على الخصوم، مثلا، ظهر مرسي باستهتار يشبه استهتار و«شعبوية» صدام في محاكمته التي تنفع للإثارة، ورفع نسبة المشاهدة تلفزيونيا، لكنها لا تقدم ولا تؤخر في المشهد السياسي، بل إنها تؤكد للعقلاء أن لا أمل في هذه القيادات، أو الجماعات!
ما أظهرته صورة مرسي، والشبيهة بصور محاكمة صدام، هو أن لا أحد تعلم من الدروس القاسية في المنطقة، فالسياسة هي فن الممكن، لا عمل انتحاري، كما فعل صدام والقذافي، وكما يفعل الأسد الآن، وكما فعل مرسي، وجماعة الإخوان، ففي السياسة «الشطارة» أن تصل إلى تسوية، وتنقذ ما يمكن إنقاذه، لا أن تهدم المعبد على من فيه، بل ما الفرق بين من يحمل حزاما ناسفا يفجر به نفسه، وبين من ينتهي في السجن، أو القتل سياسيا، وكما انتهى مبارك سجينا، أو القذافي مقتولا، أو صدام مشنوقا، والقائمة تطول للأسف، والضحايا هي الأوطان وأمنها واستقرارها، وأهلها؟! متى يتعلم البعض أن هذه المنطقة بحاجة إلى سياسي يقود للتقدم، وخلق الاستقرار، ولا تريد أن تكون ضحية متطرف انتحاري، أو سياسي انتحاري لا يريد أن يتعلم من كل هذه الدروس؟