طارق الحميد
على إثر فشل التوصل لاتفاق بين القوى الكبرى وإيران حول برنامجها النووي في جنيف انطلقت حملة نقد قاسية ضد فرنسا، ووزير خارجيتها لوران فابيوس، تحملهم مسؤولية «إفساد الحفل»، في محادثات جنيف التي أظهرت خلافات بين القوى الغربية نفسها، وتحديدا مع فرنسا التي لم تنتقد الجانب الإيراني وحسب، بل والقوى الغربية.
الموقف الفرنسي كان شديد الوضوح، خصوصا فابيوس الذي قال، إن «باريس لا يمكن أن تقبل باتفاق خاسر مع إيران»، ويبدو أن ذلك ما دفع دبلوماسيا غربيا للقول، بحسب ما نقلته صحيفتنا بالأمس، إن «الأميركيين والاتحاد الأوروبي والإيرانيين عملوا بشكل مكثف طوال أشهر على هذا الاقتراح، وهذه ليست إلا محاولة من باريس للتدخل في اللحظة الأخيرة للعب دور في المفاوضات!» وانتقاد فرنسا على إفسادها الحفل لم يأت من الغربيين وحدهم، بل ومن إيران، حيث نشر حساب على «تويتر» يعتقد أنه يدار من مكتب المرشد الأعلى الإيراني انتقادات لفرنسا تقول، إن «المسؤولين الفرنسيين يعادون الأمة الإيرانية صراحة منذ بضع سنوات. هذه خطوة تتسم بالطيش وتفتقر إلى الحصافة»!
كما قالت رسالة ثانية، إن «الرجل الحكيم وخصوصا إذا كان رجل سياسة يجب ألا يدفعه دافع إلى تحويل كيان محايد إلى عدو»
وبالطبع فإن كل ذلك يظهر حجم الإحباط من الموقف الفرنسي «الحكيم» ضد اتفاق غربي إيراني متسرع، ومبني على النيات الحسنة التي يعرف كل «حكيم» أن الطريق إلى جهنم معبد بالنيات الحسنة، كما يقول المثل، وما فعله الفرنسيون في جنيف دليل حكمة، ووعي سياسي، حيث حدوا من الاندفاع الغربي الساذج خلف نيات إيران الحسنة المزعومة، وحتى لو قال وزير الخارجية الأميركي «نحن لسنا عميانا ولا أعتقد أننا أغبياء. أعتقد أن لدينا إحساسا مرهفا نقيس به ما إذا كنا نعمل في مصلحة بلادنا والعالم أم لا»! والحقيقة أن السياسة ليست مكانا للإحساس المرهف وإلا فليتصدر لإدارتها الفنانون، فبضاعة إيران وأدواتها هي من المالكي إلى بشار الأسد، ومن حسن نصر الله إلى قاسم سليماني، والحوثيين، فأي حس مرهف ذاك الذي سيجدي مع هؤلاء!
ولذا فالواضح اليوم أن الدبلوماسية الفرنسية كانت بمثابة من تصدى للاندفاع الغربي الخطير في المفاوضات مع إيران، حيث أظهرت باريس للغرب أن الإيرانيين غير جادين، وما زالوا يكررون نفس اللعبة القديمة، لعبة الوعود، والنيات الحسنة المزعومة، خصوصا وأن الغرب يرتكب خطأ فادحا بتقديم طوق نجاة للنظام الإيراني الآن، ولو مارس الغرب جدية سياسية، وليس إحساسا مرهفا، مع إيران وانتظر على العقوبات لتفعل مفعولها بطهران فحينها إما تأتي إيران للغرب مستجدية التوصل لاتفاق، أو سينهار النظام الإيراني الاقتصادي داخليا بشكل مذهل، هذا عدا عن العواقب السياسية. ويبدو أن هذا ما تنبه له الفرنسيون جيدا وغفلت عنه إدارة أوباما رغم «إحساسها المرهف!».