طارق الحميد
طوال الأعوام الثلاثة الماضية، ومنذ أحداث ما عرف بالربيع العربي، والحديث مستمر عن ضرورة وكيفية احتواء الشباب، وهو حديث يردده الصادقون بحثا عن حلول عملية، كما يردده من يستخدمونه كشعارات أو من أجل استخدام الشباب أنفسهم كوقود لمعارك المنطقة بمختلف أنواعها، فكيف يمكن احتواء الشباب؟
بالطبع قيل الكثير في هذا الأمر، وأبرز ما قيل هو ضرورة احتواء الشباب سياسيا سواء من خلال الإصلاح السياسي، أو إشراك الشباب في العملية السياسية، وقيل هذا الأمر في مصر وتونس وليبيا، والعراق واليمن، وحتى في دول الخليج العربي، مما يعني أن هذا مطلب في كل المنطقة، لكن هل هذا هو الحل، وعطفا على ما نراه، ورأيناه من التجارب العربية مؤخرا؟ الإجابة: لا! فالحل الأفضل، والأمثل، لاحتواء الشباب هو من خلال خلق فرص للعمل، والحد من نسب البطالة المرتفعة، وعدا عن ذلك فإنه تنظير، ومحاولات سياسية دعائية.
في مصر، مثلا، أثبت الشباب أنهم وقود كل معركة، وأنهم مشتتون، وغير واعين لحقيقة ما يحدث، وأنهم يفتقرون للوعي السياسي، وكذلك العقلانية، حيث كان ولا يزال سلاحهم الدائم للتعامل مع الأحداث هو الإحباط، والانكفاء، والمقاطعة، وهذا ليس من السياسة بشيء، خصوصا عندما يتكرر استخدام سلاح المقاطعة، والانكفاء بهذا الشكل. وها هي المؤشرات الأولية لنتائج الاستفتاء على الدستور المصري الجديد تقول إن نسبة مشاركة الشباب كانت ضعيفة، فكيف نفهم ذلك خصوصا بعد أن تأرجح الشباب في مواقفهم منذ رحيل مبارك، من انطلاء خدعة الإخوان المسلمين عليهم، إلى وقوف الشباب تارة مع المؤسسة العسكرية، وأخرى ضدها، وبعد ذلك مشاركتهم المتدنية في الاستفتاء؟
كل ذلك يقول لنا إن اندماج الشباب في السياسة لاحتوائهم لا يأتي بقرارات أو مظاهرات، بل من خلال خلق فرص عمل تتطلب تعليما جادا وليس إنشائيا، وبعدها سيكون انخراط الشباب في مجال السياسة، والإصلاح، مثمرا لأنهم حينها سيكونون ساسة حقيقيين تدرجوا بأروقة السياسة، لا ناشطين موسميين كما يحدث الآن. خلق الوظائف هو ما يساعد على احتواء الشباب، ويضمن كذلك خلق طبقة وسطى تضمن توازن المجتمع، أي مجتمع، وتضمن الأمن والاستقرار، وتحد من وقوع الشباب في فخ الإرهاب، وتوفر فرص استقرار وتطور الدولة، أي دولة، وهذا ليس اختراعا جديدا، أو فكرة جديدة، بل هذه هي المعركة الأساسية في أميركا وأوروبا والدول المتقدمة التي يوجد لديها أنظمة سياسية تسمح للشباب بالانخراط بالعمل السياسي، إلا أن معارك هذه الدول الأساسية هي في كيفية خلق فرص وظيفية للشباب، وهو ما يجري أولا عبر خلق ثقافة العمل التطوعي للتدريب والتشجيع على ثقافة العمل، وهذا ما تحتاجه منطقتنا.
وعليه فقد حان الوقت لتجاوز النقاش التنظيري حول كيفية احتواء الشباب، مثلما تجاوزت المنطقة عمليا النقاش حول فورة وسائل التواصل الاجتماعي سياسيا، وضرورة الشروع في خلق الوظائف لاحتواء الشباب، وهذا ما على المصريين فعله الآن، خصوصا بعد الاستفتاء على الدستور، وكذلك الخليج، ودول المنطقة.